على هامش مؤتمر فاس الدولي حول “الحضارات والتنوع الثقافي”
< رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار
< الأمين العام المساعد لمؤتمر العالم الإسلامي
< الــرئيس الـمشــارك للـجنة الإتـصال الإسلامي -الكاثوليكي (الفاتيكان)
< عضو هيئة رئاسة المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة
< أستاذ في جامعة الملك عبد العزيز سابقاً
< بداية نرحب بكم في جريدة المحجة ونسأل الله أن يكون حضوركم فيها دائما إن شاء الله تعالى. أولا، كيف تنظرون إلى هذا المؤتمر الدولي حول “الحضارات والتنوع الثقافي”.
>> هذا المؤتمر يأتي في سياق حركة المؤتمرات والندوات الدولية والتي هي الآن في تنام شديد، إن العالم كله يحس أن هناك خللين كبيرين وهناك جهات عالمية كثيرة راغبة في أن تتعرف على هذا الخلل وأن تعالج هذا الخلل لأن المسيرة البشرية الآن في خطر جماعي شمولي فالتقارب الدولي الآن أصبح كبيرا، وكما نعبر عنه بأننا نحن في القرية الدولية. فمعنى كوننا في قرية دولية كوننا في حارة من الحارات الدولية، في سكن من مساكن هذه الحارة، فكل منا يريد أن تكون هذه القرية آمنة، قرية هادئة، قرية متطورة، قرية يعمها العدل والأمن والسلام وبالتالي كثرت الدعوة والندوات والمؤتمرات والملتقيات لمعالجة هذه الحالة الاستثنائية للبشرية نحن نعيش الآن -كما عبرت في كلمة افتتاح المؤتمر- حالة خطر مداهم، نحن نواجه الآن جيشا كاسحا من الجنون الحضاري، و نحن الآن أمام بيئة خطيرة، الهواء مجنون والماء مجنون والبقر مجنون والفواكه مجنونة والخضروات مجنونة والأسماك مجنونة وغاز الكربون مجنون والغاز الحراري وطبقة الأوزون التي تشكل لنا من فضل الله سياجا بيننا وبين الأكوان الأخرى كذلك خرقت، إذن نحن نواجه جنونا ليس منشغلا بذاته ولكنه جنون منشغل بنا، يريد أن يقتلنا وينهي حياتنا. هذه البيئة التي هي سكننا المشترك وهي غرفة نومنا التي ننام بها، لكن لا نستطيع اليوم أن ننام فنحن نصحو وننام على التفجيرات وعلى الإرهاب وعلى الرعب وعلى الحروب. هناك جيش عالمي يتحرك بالحروب من أقصى الكرة إلى أقصى الكرة، حروب في كل مكان نحن قلنا قرن 21 سيكون قرن حوار الحضارات وقرن حوار الثقافات. وإذا هو أصبح قرن حوار البنادق، وحوار الأسلحة الذكية لأنها دقيقة في قتل الإنسان. تصور كم أصبحت هذه الحضارة متوحشة! وكم تحمل هذه الحضارة الحقد على الإنسان وعلى كرامة الإنسان وعلى حياة الإنسان لذلك هذا خلل كبير، وهذا المؤتمر يأتي في سياق التنادي العالمي بالحوار.
< كيف نخرج من هذا الخطر العالمي ومن هذا الشلل؟
>> إن توينبي الرجل الحضاري المعروف. قال “إن الحضارة هي ثمرة استجابة الإنسان للتحديات، عبارة كبيرة وجميلة، ويقول مادام الإنسان مستمراً في الاستجابة للتحديات فهو في تقدم حضاري فإذا ما أصابه الغرور وأحس أنه اكتفى ووقف عن استمرار التحديات يبدأ الهبوط الحضاري والانتكاس الحضاري وفي تقديري أن المسؤول الآن عن هذا الهبوط هو ما عرفناه واقعا بالغطرسة الماركسية “فالاتحاد السوفياتي” عندما وصل قمة الإنتاج الصناعي والنووي والصواريخ العابرة القارات تساءل الرئيس غورباتشوف وقتها بينه وبين البابا حيث قال لن تغلب قوة الصليب قوة السيف وتساءل هذا البابا كم فرقة عسكرية عندك لأن الجيوش آنذاك كانت 4 مليون متغطرس، ولكن راحت الأيام فسقط السيف وبقي الصليب في ثقافتهم فانتصرت الكلمة على السيف ومعنى هذا أن المخزون النووي والصواريخ العابرة للقارات لم تسعف هذا المتغطرس الملحد أن يستمر لأنه تغطرس واستعلى.
والآن زملاؤنا الآخرون في الحضارة الغربية عندما يطرحون مقولة نهاية التاريخ وأن الحضارة الأمريكية بلغت سقف التاريخ وانتهت التحديات وحسب مقولة توينبي هم بدؤوا بالهبوط الحضاري استشعروا أنهم انتصروا على التحديات وأصبحت التحديات كلها في قبضة يدهم والإبداع البشري بلغ سقفه. وعلى الناس أن يتبعوا هذا الإبداع البشري الذي بلغ من المرتبةما “ليس في الإمكان أبدع منه” ولذلك أنا قلت لفرانسيس فوكو ياما : غاب عنك شيء مهم. إن حركة التاريخ مرتبطة بحركة العلم وحركة العلم مرتبطة بحركة نبض فإن العقل البشري ومادام هذا العقل البشري ينبض فإن فحركة التاريخ تنبض وأنت تريد أن تحكم علينا بالموت لأن سقف التاريخ لا يكون إلا مع سقف الحياة فدعك مع سقفك نحن السقف عندنا مفتوح حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فهذا المؤتمر في الحقيقة حلقة من حلقات الاهتمام العالمي بهذا الشذوذ الحضاري القائم.
< سؤال آخر ما هي آليات الحوار ومقوماته ما دام العالم كله كما ذكرتم ينادي بهذا الحوار؟
>> أنا قلت في إحدى لقاءاتي نحن عندنا مؤتمر نسميه المنتدى العالمي لحوار الحضارات في ” رودس. وأنا من مؤسسي هذا المنتدى وقلت لزملائي في إحدى الجلسات -الجلسة الافتتاحية لتأسيسه- نحن تحدثنا كثيرا عن إيماننا بالتنوع الثقافي والحضاري. وتحدثنا أيضا عن إيماننا بالخصوصية الثقافية والحضارية وهذا شيء جميل لكن ما هي الخطوة الثانية؟ يعني لا بد أن نبحث عن خطوة بعد هذا. عبرنا عن إيماننا بوجوب الحوار. إذن لا بد أن نبحث عن إطار هذا التنوع وعن المشترك الثقافي بيننا لكن ما هو المشترك الثقافي بيننا؟
ما هي المنطلقات الإنسانية العامة التي تجمع بيننا في إطار اعتزازنا بخصوصيتنا؟أنا مسلم أعتز بخصوصياتي، لكن ما هو الشيء المشترك بيني وبين الآخر الذي لا يتعارض مع خصوصياتي؟ وفي نفس الوقت يمد يدي للآخر ويستقبل يد الآخر؟
قلت لهم إن الإسلام اعتنى بهذا من قبل 14 قرنا. وذلك في حجة الوداع -طبعا هم لا يعرفون- فالرسول اهتم بهذا الجانب من قبل 14 قرنا في خطاب حاشد للمسلمين وضع فيه سبعة أعمدة،أعتبرها تشكل سبعة أعمدة في ميثاق عالمي تعرفه البشرية، وهذه الأعمدة هي التالية :
- يا أيها الناس إن ربكم واحد تأكيدا على وحدة مصدرية الإيمان في الأرض
- يا أيها الناس إن ربكم واحد تأكيدا على وحدة الأسرة البشرية.
- يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم… عليكم حرام تأكيدا عل قدسية حياة الناس وممتلكاتهم.
- يا أيها الناس إن الله قد حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرما تأكيدا على أهمية العدل وإقامة السلام بين المجتمعات.
- يا أيها الناس إن الله قد قال لا ربا تأكيدا على الأمن الاقتصادي وحماية الفقير والمحتاج من استغلال أصحاب النفوذ المالي في المجتمعات.
- يا أيها الناس إن للنساء عليكم حقا وإن عليهن حقا فأعطوا لكل ذي حق حقه تأكيدا على التكامل بين الرجل والمرأة في الحياة .
- يا أيها الناس إن عدة الشهور عند الله 12 شهرا فجعل من هذه الشهور 4 أشهر حرم هي أشهر سلام، ليس على الإنسان فقط وإنما على الحيوان وعلى البيئة فلا يعبث بالتراب ولا يعبث بالحجر ولا يعبث بالشجر ولا يعبث بالطيور كل الناس سلام، فجعل 4 أشهر سلاما للبشرية كلها ثقافة سلام فتصوروا ثلث أمة عمرها تماما هو ثقافة سلام ليس يوم السلام العالمي وليس يوما للبيئة وإنما قرر الإسلام 4 أشهر!! فهذه الأعمدة السبعة أقدمها لكم هدية من رسول الإسلام من وراء 14 قرنا لتكون أساس الثقافة للمشاركة الحضارية بيننا.
< حوار الثقافات والحضارات أم حوار الأديان؟
>> لا هذه ولا تلك، نحن قلنا في الفاتكان وقلنا لجميع الإخوان المشتغلين بالحوار أن نسميه حوار أتباع الثقافات وحوار أتباع الحضارات لأن المشكلة في الأتباع الذين لا يتحاورون فالإنسان هو الذي ينبغي أن يتحاور وقلنا لهم نطلق مصطلح “حوار أتباع الأديان”، “حوار أتباع الثقافات” “حوار أتباع الحضارات” لأن الحضارة لا تتكلم ولا تتحاور فهي مجرد حجر وشجر وشراب ومطعم وكساء. هذه هي الحضارة، لكن الذي صنع هذه هو الذي نناقشه هل صنعها بطريقة سليمة؟ هل صنعها بطريقة إيجابية؟ هل هذا الإنتاج الحضاري إنتاج إيجابي؟ هل هو إنتاج سليم وآمن أم إنتاج مرعب؟ فعندما دخلت أمريكا في سباق نووي مع روسيا مع الاتحاد السوفياتي سابقا ولا تزال حصل رعب كبير وفقر مدقع فعندما يقول غورباتشوف نحن وأمريكا نملك من النووي ما يفجر الأرض 10 مرات؛ لو اتفقنا على هذه الحماقة أن نفجر الأرض!! هل نحتاج أن نفجرها أكثر من مرة. لماذا أصنع 9 أمثال ما أحتاج لتفجير الأرض 10 مرات هذا كان على حساب حاجة الإنسان إلى قطعة الكساء وحبة الدواء فجاءت حبة الدواء وتحالفت مع قطعة الكساء ومع لقمة الغذاء وهدمت المخزون النووي وانهار الاتحاد السوفياتي لأن هذه الثلاثة هي أقوى.
لذلك فالعجيب أن الإسلام ( القرآن ) أول ما جاء اعتنى بهذه الثلاثة فجبريل عليه السلام يأتي ليبلغ الإسلام إلى ولا يقول قل “لا إله إلا الله” إنما يقول له “إقرأ” عجيب هذا! فقد جاء يبلغ دين الله، وأساس هذا الدين هو لا إله إلا الله، والمنطق يقتضي أن يقول له : يا محمد قل :لا إله إلا الله. وأنت ستكون رسول الله. لكن يقول له اقرأ. فيقول الرسول ما أنا بقارئ أنا أمي، فيوجهه الملك إلى العلم لمواجهة الجهل والحاجة، وتلك هي العقبة {وما أدراك ما العقبة فك رقبة ( تحرير الإنسان ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة}. إذن قضية الغذاء هي أكبر قضايا الإنسان لذلك نقول للمسلمين: إن العقبة بينكم وبين مرضاة الله ثلاثة:
1- فك رقبة ( تحرير الإنسان ) فالشرع يطالب ب” فك رقبة ” تحرير الإنسان
2- الإطعام و{إطعام في يوم ذي مسغبة}.
3- والحوار {لإيلاف قريش إيلا فهم رحلة الشتاء والصيف} إلى آخر الآية لاستبعاد الخوف وتأمين الحياة
فهذه الثلاثة طالب يقدم بها الإسلام من قبل 14 قرناوأكدها الرسول صلى الله عليه وسلم في ميثاق خطبة حجة الوداع
إذن تعالوا نتحاور كأتباع أديان نقول ما هو المشرق في أدياننا؟ وما هي أحكامنا عن المشرق في أدياننا؟ فالإسلام عندما يقول -قبل أن يقول في الصلاة – ولقد كرمنا بني آدم ولم يقل ولقد كرمنا المؤمنين والمسلمين وبني قريش والعرب الذي هم.. وإنما قال {ولقد كرمنا بني آدم} من كل الأجناس، وقال {إني جاعل في الأرض خليفة} ولم يقل إني جاعل الإسلام، هذه المعاني هي المعاني العظيمة العامة والمشرقة والمشتركة، وهي التي ينبغي أن يتحاور أتباع الأديان عليها. نحن قلنا لهم مثلا بالفاتيكان تعالوا لنقول “خلاف الأتباع لا خلاف أنبياء” الأنبياء لم يختلفوا نحن الذين اختلفنا، وهذه الأديان صدرت – كما قال النجاشي رضي الله عنه ورحمه الله – من مشكاة واحدة وذلك عندما حاوره جعفر ابن أبي طالب حول قريش وقال له هل عندك شيء من هذا الدين الذي جاء به محمد فقرأ عليه آيات من سورة آل عمران حتى بكى النجاشي وقال “والله إن الذي قلت والذي جاء به عيسى ابن مريم ليخرج من مشكاة واحدة” إذن هذه الأديان تخرج من مشكاة واحدة من نور واحد ونحن الذين اختلفنا عليها. إذن هو اختلاف أتباع لا اختلاف أنبياء وقلت لهم الأديان تعرض ولا تفرض، فمن حق كل إنسان أن يعرف كل دين لكن لا نفرض عليه أي دين. هذه الأجيال لها دينها و نحن المسلمين عندنا قاعدة ذهبية {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} إذن الواجب علينا أن نبين الرشد وندع الناس يختارون هذا الرشد ولا ينبغي أن يحول بينهم حائل، فالحوار حوار أتباع وليس حوار أديان أو حوار ثقافات أو حوار حضارات.
< لكن هل هناك فعلا أديان سماوية؟ أم أن الدين عند الله واحد؟
>> إن هذا التصنيف تعارف عليه البشر وأنا لست معهم إن الدين عند الله واحد وأنا أقول لزملائي أتباع الأديان عندما أحاورهم إن الحقيقة الربانية واحدة لا تختلف لكن أنت فهمتها بطريقة وأنا فهمتها بطريقة أما الحق الرباني فواحد لا يمكن أن يتنوع ولا يمكن أن يتشكل بأشكال بل ليس هناك إلا حقيقة واحدة لكن فهمك لها يختلف عن فهمنا إذن فهو تعدد فهوم وليس تعدد حقيقة فنحن لدينا فهوم متعددة في حقيقة واحدة. أنت ترى أن الإله قابل للانقسام إلى ثلاثة وأنا أرى أنه فرد صمد لا ينقسم ولا يتعدد، وهذه قضية مهمة في أسباب الاختلاف. أنا أرى الدين عند الله الإسلام وأنت ترى الكاثوليكية عند الله هي الدين، كل منا يرى أن الخير بيده ونحن لذلك لا ينبغي أن نتحاور بهذه القضية المحسومة نحن حسمنا حسب قاعدتين : إن الدين عند الله هو الكاثوليكية ومن يقبل غير الكاثوليكية لن يقبل منه أنت تقول هكذا الشأن حالك وأنا أقول العكس حتى نحسم القرآن فقال: {لكم دينكم ولي دين} إذن أنا دعني على اعتقادي وأنت على اعتقادك وعندنا آية في القرآن الكريم تقول” إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى… والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد، وفي قضية العقيدة سيقول لنا ربنا تعالى في الآخرة : من الذي كان على العقيدة الصحيحة؟ لأنه هو ربنا جميعا لكن في الدنيا نتحاور في مصالحنا المشتركة وفي دنيانا المشتركة نقيم هذا التعايش حتى نلقى الله وهناك نحتكم عند الله وهو الذي سيحكم بيننا جميعا خيرا أم شرا.
حاوره: عبد الحميد الرازي