قذف بي الفقر خادمة في البيوت وأنا طفلة.. لأفقد طفولتي بل وإنسانيتي… وفي كل بيت، عشت معاناة، أدناها معاملتي كآلة من حديد وعودي لم يشتد بعد!
فكرت مليا، رغم صغري، وقررت ألا أستسلم لعذاباتي طيلة حياتي، فخططت ونظرت بعيداً، إلى أبعد مدى..!
عرضت خدمتي على أقارب لي مقابل أجر بخس، بشرط أن أعمل منذ الصباح الباكر، وبعد الزوال، أذهب إلى مشغل لتعليم الخياطة..
تضاعفت أعبائي إلى حد الإرهاق، فكنت لا أنام إلا سويعات قليلة، بعد إرضائهم وتلبية طلباتهم، وبعد نومهم، أتدرب على التصميم والخياطة، وأؤدي واجبات المشغل وأدوات الخياطة من أجري الزهيد…
تسلحت بالصّبر، لأحصل بعد سنوات -وبجدارة- على شهادة مهنية للخياطة بنوعيها، التقليدي والعصري!
عدت إلى أسرتي، وفي قريتي الصغيرة، بدأت مزاولة الخياطة، فلم أوفق.. انتقلت -مع أسرتي- إلى مدينة قريبة، ومن بيتي المتواضع، امتهنت الخياطة، فنجحت.. افتتحت مشغلا.. علمت أخواتي لمساعدتي.. تضاعفت زبوناتي، حتى من الخارج.. أنشأت محلات أخرى للخياطة والألبسة الجاهزة، وتضاعف خياطوها، فكنت أكافئ كل >صنايعي< متميز بافتتاح محل جديد والإشراف عليه.. وأقوم دائما بنفسي بتصميم وتفصيل الملابس.. فاكتسبت شهرة وثقة بين الناس، وبين الخياطين والتجار.. وذلك كله بفضل الله عز وجل وبمعاملتي الطيبة لهم وبتخطيطي بدقة لكل مشاريعي..!
يعرفني الناس خياطة متميزة، وتاجرة تجني أرباحاً من حرفتها. ولا أحد يعتبرني.. إني بدأت من أسفل درك للفقر، من تحت الصفر، ومن خادمة أفنت طفولتها في أشغال البيوت.. ولولا إرادتي وصبري وتوكلي على الله عز وجل لما حققت كل ما وصلت إليه..!
فسبحان العادل الذي وزع الأرزاق.. وجعل رزقي يخرج من سم إبرة… وحقا كما يقول المثل المغربي :
>الصنعة إلا ماغْنَتْ تستر!<.
ذة. نبيلة عزوزي