كنت في مسجد الحرم الجامعي، أجيل النظر في سحنات المصليات من الطالبات اللواتي كن يتوزعن في جنبات المسجد ما بين راكعات وساجدات ومستلقيات في وضع ذكر أو قراءة، ورأيت إحداهن، كانت بجلباب سادر، في وضع خشوع لافت.. وانتهت تلك الشابة من صلاتها، فخلعت الجلباب واتجهت صوب باب المسجد، وهي تسفر عن شعر ذا صباغة غريبة تشبه صباغة حليقي الرؤوس الغربيين، وحين انحنت لتلبس حداءها وكنت أتأهب للخروج من المسجد، راعني منظر لباسها الداخلي جدا الفاضح جدا.
وإذ ابتعدت تلك الصبية عن المسجد، انخرطت في سلوكيات جد مائعة بين أحضان زملاء الفصل..
كان وجهها البيضاوي الجميل يشع حيوية، وبراءة توشك الذئاب إذ تظفر بها أن تسفحها غير معنية ببقايا امرأة من حقها أن تحيا حياة كريمة ويكون لها زوج محب وأطفالا ملاعبين، ولم تكن تحمل تشتتها الباهظ، وحدها، بل كان التشتت والتمزق على مستوى النساء والرجال واحدا. تعددت مظاهر التمزق والجرح واحد، جرح القطيعة بين شباب متعطش للحياة والكرامة والمحبة والاعتراف بضعفهم كما بكفاءاتهم، وآباء ومؤطرين على مختلف المواقع والمستويات، طوح بهم سيل المطامع الدنيوية إلى بر آخر، فنسوا أمانة التربية والتوجيه..
وقد أحزنني بشكل لا يوصف أن تابعت مؤخرا برنامجا وثائقيا حول الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، فقد رأيت ما أذهلني في سيرة زعيم قل أن يجود الزمان بنظيره، فبعيدا عن عدائه الكبير جدا لحكومة البيت الأبيض، وسياساتها الهيمنية التي يتقاسم كل الشرفاء في العالم استهجانها وكراهيتها، فإن الرجل ليس من هواة الميكروفون والديماغوجية التي تكسر الأدمغة في إسهالاتها البلاغية حول نجاعة النهج الاشتراكي، بل هو أشبه بالنملة العملاقة الحيوية، فلا يفتأ يطير من لقاء جماهيري إلى آخر، يجالس الفقراء ويقبلهم بحب، وينصت إلى اقتراحاتهم بكل تواضع، وهو الآخر يطلعهم على مشاريع التنمية للقضاء على دور الصفيح، وأثناء كل ذلك، فهو مهموم باستعادة ثروات الفنزويليين من النفط من أيدي لصوص الشعوب المحليين، المدعومين من الخارج الرأسمالي الحاقد على ثروة من الشعوب وستعود إليها، إذا استمر هوغو تشافيز في سياسته الثورية المناهضة للإمبريالية.
وقد جرب هؤلاء الخونة من داخل فنزويلا بمساعدة واشنطن، مخابرات وعتاد ورجالا، الإطاحة بتشافيز، ونجحوا لأول وهلة حيث أسقطوه ونفوه من البلاد، في غيبة الشعب، لكنهم ما إن أعلنوا عن قلب نظام الرئيس تشافيز، حتى خرج الشعب الوفي حقا بالملايين إلى الشارع، هائجين، يصرخون بل ويبكون أمام مقر الحكومة الجديدة، ورفضوا العودة إلى بيوتهم، وباتوا الليالي الباردة في الخارج ينتظرون عودة رئيسهم المحبوب وهددوا بإحراق الأرض على من يتجرأ على تعيين نفسه عوضا عن تشافيز!! وأسقط في يد العملاء وأصابهم الرعب من هذا الحب الكاسح الذي لا تنفع معه أية قوة أو جبروت حتى وإن كان جبروت البيت الأبيض، فأطلقوا سراح الرجل وعاد على الأكتاف ليتلقفه الشعب بالبكاء والقبل والعناق والاحتفالات الصاخبة ليل نهار.
هزني البرنامج.. وهزني هذا الرئيس من أعماق الأعماق، ووددت لو كنت بينهم لأحييه بكل فجيعتي ويتمي المكعب من مسئولين عرب في مختلف المواقع يخونون الأمانة بلا أدنى شعور بالحرج، فلا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن خيانة الأمانة داخل الأحزاب وداخل المؤسسات التعليمية والطبية وداخل المحاكم، ومؤسسات الشرطة والعسكر، من قبيل الاغتصاب وسرقة مئونة الجنود..وآخر المبكيات ما سمعناه من تحايل لسرقة الهبات الملكية، ونتساءل بعد ذلك عن هذا الحجم المتفاقم لمظاهر الإجرام والدعارة والشذوذ والمخدرات، ألا يقول المثل المعروف إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت الرقص!!..
ألسنا نحن من يجب أن نكون رياديين في حفظ الأمانة، وحب المستضعفين والغلابى والقيام بواجب رعايتهم وحفظ مصالحهم لا حفظ مصالح شجراتنا العائلية من الأصول حتى (ريحة الشحمة فالشاقور)؟؟!!
ألسنا أحفاد رسول الله ، القائل قولته العجيبة العظيمة.. والله لو سرقت فاطمة لقطعت يدها!!
ولأن المصاب في مسئولينا ومؤطرينا أكبر من أن يحد، نكتفي بالتمني المؤلم إلى حين، غير مستسلمين ولا مندمجين في العفن، فلنا أعمالنا وللخونة أعمالهم.. وفي انتظار فرج نحن من يجب أن نصنعه بعون الله سبحانه نقول بلسان الحاجة الممضة: يا ليت لنا تشافيزاتنا كما لهم تشافيزهم!!!
ذة. فوزية حجبـي