بسم الله الرحمن الرحيم :
> معالي مستشار صاحب الجلالة الأستاذ الدكتور عباس الجراري، شرف لنا أن تتفضلوا بهذا الحوار لفائدة جريدة المحجة ونسأل الله تعالى أن يبارك في جهودكم لإعلاء راية العلم في هذا البلد الكريم.
ما هي ارتساماتكم وأنتم تشاركون في هذه الندوة الدولية التي تأتي في إطار الاحتفال بفاس عاصمة للثقافة الاسلامية لسنة 2007؟
>> في البداية لابد أن أنوه بجريدة المحجة الغراء لأني أتابعها وأواصل قراءة مقالاتها العامرة بالقيم وبالمبادئ والتي هي منارة تنير الطريق ولاسيما للشباب والأجيال الصاعدة.
هذه الندوة تكتسي أهمية خاصة لأنها تتحدث عن فاس باعتبارها عاصة للثقافة الإسلامية، وتتحدث عنها من خلال معالمها ومن خلال أعلامها وعلى الرغم من أن الأمر معروف في التاريخ وتحدثت عنه مآت وآلاف الكتب التي تعرضت لفاس ولجامعتها العريقة ولكن الأجيال اليوم في حاجة إلى أن تذكر بهذا التراث وإلى أن يبعث فيها من جديد الحس الوطني وأن تتقوى روح المواطنة من خلال التذكير بمقومات هويتها لغة ودينا وثقافة وبكل الأمجاد التي عرفها المغرب من خلال فاس وبقية مدن وقرى هذا البلد الكريم.
هذه الندوة لها هذه الأهمية الخاصة لأنها ليست منظمة لمجرد التذكير والانتشاء بالتاريخ وبأمجاد التاريخ ولكن كما قلت لبعث روح جديدة وطنية إسلامية في شبابنا وفي الأجيال الناشئة.
> فضيلة الدكتور ذكرتم في كلمتكم أثناء الجلسة الافتتاحية أن القرويين التي بها تحظى فاس بهذه السمعة العظيمة يجب إنقاذها والرجوع بها إلى سالف عهدها، كيف السبيل إلى إنقاذ القرويين والعودة بها إلى هذا التاريخ المجيد الذي شاطركم الرأي فيه كل المتدخلين الذين تدخلوا هذا الصباح؟
>> لاشك أن القرويين التي كان لها صيت ذائع في ربوع العالم الإسلامي وغير العالم الإسلامي هذه الجامعة تحتاج اليوم إلى أن تحيي هذا التاريخ وهذه الأمجاد وأن تعود لها مكانتها التي كانت لها في الساحة الثقافية والعلمية والأمر يحتاج إلى أن يدرس ويُنظر في كيفية هذا الإصلاح، نعم إن العلوم الاسلامية لا ينبغي أن تفهم على أنها مجرد علوم شرعية أو تتصل بالشريعة بعلومها وبفنونها المعروفة.
إن العلم الإسلامي هو علم شامل حين قلت بأن البابا سلفسترالثاني جاء ليتعلم الرياضيات، الرياضيات يومئذ في القرويين كانت من العلوم الإسلامية وكانت من العلوم التي أبدع فيها المسلمون وعلماء المسلمين ولهذا ينبغي أن نعيد هذه الأمجاد بفكر متفتح وبصدر رحب وأن نعانق العلوم الجديدة والمعارف التي تكتشف كل يوم بل كل لحظة هذا هو المطلوب، أن تسترجع جامعة القرويين مكانتها في هذا الاتجاه وفي هذا الإطار والذي نريده هو أن تبقى جامع القرويين رمزاً لهذه الأمجاد التي عرفها المغرب طوال قرون.
> نرى أن جامع الأزهر بمصر فيه جميع التخصصات العلمية ويأتيه الطلبة من كل بقاع العالم، ألا يمكن أن يقوم جامع القرويين بهذا الدور كذلك؟
>> بطبيعة الحال حين نتكلم عن تطوير جامع القرويين وعن إحيائها وعن توسيع آفاقها وحين نتحدث عن تطلعنا إلى أن تصبح جامع القرويين جامعة عصرية وفي نفس الوقت محافظة على تقاليدها الإسلامية العريقة فإننا ننظر إلى مثيلاتها وخاصة إلى جامع الأزهر.
جامعة الأزهر اليوم تضم نحو 400 ألف طالب وهي تضم كليات عصرية من طب وهندسة وعلوم وغيرها ولها معاهد ومراكز في مختلف أنحاء العالم ولاسيما في إفريقيا وفي آسيا، ونحن حين نتحدث عن جامعة القرويين لا نقبل ولا نرضى، أن تكون جامعة كباقي الجامعات الإقليمية هنا أو هناك، نريدها أن تكون الجامعة المشعة على العالم ولاسيما على إفريقيا التي كانت تأخذ وتقتبسمن فاس ومن جامعة القرويين. فهذا المفهوم الجديد هو الذي نريد أن يراعى ونحن نسعى إلى الإصلاح، بطبيعة الحال يجب أن تبقى القرويين مركزاً لعلوم الشريعة: الفقه والحديث والتفسير والمنطق والعلوم الأصيلة التي هي الأساس ولكن أيضا أن تعانق علوم العصر وقد أكد لي المسؤولون عن جامعة الأزهر بأن الخريجين من هذه الجامعة من كليات الطب والهندسة هم أقوى من زملائهم الذين يتخرجون من الجامعات العصرية لأنهم يضمون إلى العلم الذي يتخصصون فيه علوماً إسلامية أخرى تقوي ضمائرهم وتعزز روحهم الإسلامية ومن ثم حين يخرجون إلى المجتمع يمارسون أعمالهم فإنهم يكونون مزودين بما يسعفهم أن يقوموا بواجبهم ليس فقط كمهندسين وتقنيين، أو مجرد محترفين ولكن كعلماء بالمفهوم الصحيح للعم.
> أخيرا، من المسؤول عن إحياء جامع القرويين؟
>> الحقيقة أن الكل مسؤول عن هذه الجامعة لا ينبغي أن نلقي بالمسؤولية أو التبعةعلى طرف معين، نعم إن الجهة المسؤولة عن التعليم لها نصيب من المسؤولية، ولكن أيضا الجهات الأخرى، وفي طليعتها وزارة الأوقاف وكذلك هيئة العلماء، لأن العلماء عليهم أن يسمعوا صوتهم، فـصوت العلماء الآن أصبح خافتا، وأصبح لا يسمع سواء بالنسبة لإصلاح القرويين أو بالنسبة لإصلاح المجتمع أو بالنسبة لتنوير الرأي العام، بالنسبة للقضايا المطروحة أو القضايا المعاصرة ولبث الوعي الديني في الأوساط فالمسؤولية مشتركة بطبيعة الحال نحن نعلق الآمال على المسؤول الأول صاحب الجلالة الملك الذي يرعى القيم الدينية ويرعى العلوم الإسلامية ويرعى جامع القرويين لتأخذ مكانها على النحو الذي يجعلها قادرة على تحمل مسؤوليتها في هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا ونحن نواجه العولمة ونواجه هيمنتها وتسلطها وسيطرتها، وعملها على إضعاف الهويات الوطنية، ولا ينبغي أن ننسى بأننا معتزون ومتشبتون بهويتنا العربيةوالإسلامية فيما يتعلق بالدين وباللغة والثقافة في جميع جوانبها.
> شكرا فضيلة المستشار وإلى اللقاء في فرصة قادمة إن شاء الله.
حاوره: عبد الحميد الرازي