نسيمة.. قطرة ندى صبح ربيعي.. تجرفها عاصفة خريفية هوجاء من طفولتها إلى عالم مجهول، قاس، لا يعرف الرحمة…!
نسيمة… تلميذة نجيبة… يخطفها الفقر من مقعد الدراسة إلى عالم الكبار… توفيت أمها بعد رحلة طويلة مع المرض والفقر الذي حال دون متابعة علاجها.. تولت الطفلة مسؤولية رعاية أبيها وإخوتها والبيت، وقلبها الصغير ينفطر ألماً وحنينا إلى دراستها وإشفاقاً على أبيها وإخوتها.. فقررت أن تتناسى طفولتها، وتكبر وتنضج قبل الأوان..
لكن يد الفقر أبت إلا أن ينفرط عقد طفولتها… فتخطفها ثانية من بيتها البسيط الدافئ إلى بيت أنيق كبير، لكنه بارد، قاس، كالفقر تماماً، لا يعرف الرحمة، ولا يعترف بها ولا بطفولتها!
صارت الطفلة خادمة، لإعالة أبيها وإخوتها.. كانت أحلامها دُرَراً ترصع عقد طفولتها قبل أن ينفرط.. أحياناً، كانت تحلم أن تكون مدرّسة… وأحيانا أخرى، كانت تحلم أن تكون طبيبة لتعالج أمها.. كانت تهوى الرسم… ترسم أزهاراً وفضاء أخضر، وطيورا تحلق عاليا، وشمساً دائفة.. كانت تحلق مع الطيور، تغرد معها في عالم سعيد سمفونية حب، لا يعرفها إلا الطيور والأطفال.. لكن الفقر أبى إلا أن يطمس ألوانها الزاهية سواداً كالظلام، وإلا أن يعبث بأوتار صوتها البريء.. لتتلاشى نسيمة الطفلة البريئة من عالمها.. ويتلاشى الفرح الطفولي من عالمنا… لننافق أنفسنا، ونتمادى في نفاقنا، لنغني الوهم للوهم : >قولوا… العام.. زين!<.
ترى، هل مازالت نسيمة طفلة.. تراودها أحلامها الوردية.. في صراعها من أجل لقمة العيش…؟!
ترى، هل تعلم نسيمة أن أغنياءنا يتملصون من إخراج الزكاة؟! و>أن الكرش الشبعانة ما تحس بالكرش الجيعانة<؟!
ترى، كم >نسيمة< في وطنننا ولت ظهرها للمدرسة بلا رجعة، لتقاوم من أجل البقاء.. من أجل لقمة عيش مُرة، تتجرعها مع عرقها الغض…؟!
أما زلت تهوين القراءة يا نسيمة؟! أعلم أنك لا تجدين وقتا ولا حرية لذلك.. أخالك مدفونة في مطبخ، أو منكفئة على تلميع أرض، أو مربية أطفال محظوظين… وأخيراً تنامين سويعات في ركن مطبخ أو في أي ركن مهمل..!