نظام التقاعد من أسوء الأنظمة التي نقلناها عن الغرب دُون تمْحيصٍ واجتهاد، وأساسه أو غايته أن يُُقْعِدَ موظفين ليتسنى له أن يو ظف آخرين مكانهم وبذلك يحارب البطالة ويجدد أوساط الموظفين، ولكن سوء هذا النظام ليس في تطبيقه ولكنه في استسلام المتقاعد إلى الكسل والنوم وانتظار الموت كما يقول العوام : “نأكل القوت ونستَأني الـمُوتْ”.
ومن أكبر مصائب هذا النظام أن نُقعد بعض الموظفين الأكفاء كفاءة عالية ونضع مكانَهم من هو دونَهم بكثير، والحقيقة أن هناك استثناءات لكنها لا تطبق على الأكفاء بل تخضع لشروط غير موضوعية.. والأسوأ من ذلك كله أن الكفء المتقاعد يستسلم لتقاعده ولا يجد في نفسه حاجة لخدمة مجتمعه في ميادين شتّى وفي أحسن الأحوال يقرأ لنفسه ويتعبد لنفسه وينْشغل لنفسه ناسيا واجباته نحو أمته ومجتمعه مع أن المجال واسعٌ ومُتاح أمامه ليكتب وينصح، كما أن المجتمع أمامه ليمارس الدعوة إلى الله من خلاله وعبر أٍقربائه وأصدقائه، وعكس أن تتكون من أوساط المتقاعدين جمعيات اجتماعية تكون أهدافها توعية المجتمع بالمحاضرة والندوة والكلمة في مجلة أو جريدة أو تكوين جمعيات متخصصة ومتنوعة.
إن الذين يرضون بالقعود في البيت ويكتفون بخدمة أنفسهم والاشتغال بمصالحهم هؤلاء سيسألون يوم القيامة عما أضاعوه من حياتهم دون أن يتصدقوا على أمتهم بما لهم من إمكانيات ومواهب وخبرات… ثم إن الدولة التي تفرط فيهم وتستغني عنهم وعن خبرتهم تضيع على الأمة فرصاً عظيمة في مجال تقدمها.
مازلت أذكر أنني دخلت على أمير المجاهدين محمد بن عبد الكريم الخطابي وهو مريضٌ يعاني ما يعاني ووجدت عنده جماعة من السود وهو يحثهم على الثورة على المستعمر المحتل ويسهل عليهم الأمر ويبين لهم أن الاستقلال يؤخذ بالقوة والنضال لا بالتكاسل والكلام، فقلت له : تشتغل حتى مع السود فقال لي والله لأحاربَنَّ الاستعمار حتى ألقى الله وقد برأت ذمتي ولأَنْ أموت والرصاص في صدري خير من أن أموت والرصاص في ظهري..
إن كل واحد منا مسؤول عن تخلف المسلمين بقدر ما نضيع من أوقات عليه. هذه الأوقات التي نضيعها في الجلوس في بيوتنا وفي صمتنا وكفِّنا عن الخير.. وحيّا الله إخواننا في الكويت وغيرها من شباب الجزيرة العربية ورجالها الذين يجوبون جل افريقيا وآسيا للدعوة إلى الله غير مبالين بالمصاعب والمتاعب وقد حققوا أهدافاً عظيمة في تلك الأوساط وقد وصلت دعوتهم العظيمة بإفريقيا كمثال إلى حدود المغرب والجزائر وتونس وحيّا الله دولة الكويت التي تتعاون مع دعاتها إمارة وحكومةً بل تمنح للدعاة التفرغ الكامل للدعوة إلى الإسلام داخل الكويت وفي العالم مع الاحتفاظ بحقوقه الوظيفية من أجرة وترقيات، في حين أن هذه البلاد المغربية التي كان من الواجب عليها أن تجدد نفسها وتنطلق إلى مجالها الافريقي لتجدد رسالتها عبرها وتعزز معها روابط الدين وأواصر القربى التي تجمع فيما بينها لم تفعل وكأن الأمر لا يعنيها في حين تهاجمُ هذه البلاد جيوشٌ من كتائبِ التنصير المختلفة لتعمق القطيعة بين افريقيا وهذه البلاد المغربية ولاسيما المغرب الذي كان دائما يقود افريقيا الغربية بل امتد إلى السوادن نحو نور القرآن والسنة والتعلق بمحبة الرسول وآله وأصحابه وأتباعه من أولياء الرحمان…
وأخيراً يا أخي أدعوك ألاّ تموتنّ قاعداً استجابة لأمرهم “مُتْ قاعداً” لاسيما وأنت مقبل على ربك فكن داعياً إلى هديه ودينه واتباع رسوله فالمسلم الحق لا تقاعد له وصدق الله العظيم إذ يقول : {واعبد ربّك حتى ياتيك اليقين} فالتقاعد ليس نهاية الحياة بل يجب أن يكون بداية لحياة أكثر جدوى وأعظم بركة وخيراً وطاعة. ولعلّ نشاطك ودعوتك الناسَ للخير والمعروف يكون من حسن خواتمك وجميل عاقبتك ورضى ربك الذي يحبك إذا ما تقربت إليه بالنوافل حبّاً عظيماً.
أسأل الله أن تفعل ولو بالكلمة الطيبة فإنها صدقة وإماطة أذى عن طريق المسلمين فإن ذلك من شعب الإيمان..
أ.د. عبد السلام الهراس