إن البحث عن الخلل وتلمس أسباب النهوض وتأسيس دعائم حقيقية راسخة للتغيير، يجب أن يكون الهدف الأسمى الذي يجب أن يعيش من أجله كل إنسان توجعه أحوال الأمة وما وصلت إليها من هوان وضعف وانحطاط، لأن كل فرد من أفرادها مسئول أمام الله وأمام نفسه مسئولية كاملة عما وصلت إليه. والمشكلة ليست في إحداث التغيير في حد ذاته، فواقع الحياة المعاصرة تتلاطم فيها أمواج التغيير، لكن المشكلة في إحداث التغيير من أجل الخروج من نفق الواقع المتعفن. وقد قلت سابقا بأن السؤال الأبسط والأعمق الذي يتبادر إلى الذهن في هذا المجال: كيف السبيل؟؟ و بأنه قد يكون أقرب السبل وأوضحها، السبيل الذي توضع فيه لافتة: تصحيح المفاهيم، وبين قوسين: من الانفعال بالقيمة إلى تفعيلها في الممارسة. ومن المفاهيم التي يجب أن تصحح، مفهوم الأمة، وتفعيله في ممارسة حياتنا. وإذا حاولنا الاستفادة من التاريخ الإنساني، وجدنا أن أي دعوة تهدف إلى الإصلاح والتغيير تبدأ من النفس “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، فهذا مالك بن نبي مثلا يعتبر أن قانون التغيير ينطلق من الفرد إلى المجتمع، وأي تشكيل لبناء الحياة الفاعلة تبدأ بفرد واحد يمثل نواة لمجتمع متجدد، ويرى أن هذا هو المعنى المقصود من كلمة”أمة” عندما يطلقها القرآن الكريم على إبراهيم \ في قوله تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا} (النحل 12). وهذا يعني أن يحاول كل فرد من أفراد المسلمين تحقيق المفهوم القرآني لـ”أمة” في نفسه. ومن الخطوات الأساسية للسعي نحو هذا التحقق تبدأ من خلق تحدِّ يحفزه على النمو والتجدد. وقد يقال إن واقعنا الحضاري لا يحتاج إلى خلق تحديات، لأنها قائمة أصلا، كالظلم والجهل والاستبداد ومختلف الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لكن يمكن القول بأن هذه التحديات العامة لا يمكن مواجهتها إلا من خلال إيجاد تحد محفز على تغيير النفس القادرة على مواجهة التحديات القائمة. ولعل المحافظة على الطاقة الكامنة في النفس وعدم تبديدها في أعمال تافهة أو اهتمامات فارغة، تقتل وقته، وتنمي فيه حالات من عدم المبالاة والركون نحو هامش الحياة، من أهم هذه التحديات. وتكون المحافظة على الطاقة بتعديل محور الاهتمام الذي يعكس طبيعة فكر الإنسان، ودوره في الحياة، وطموحاته فيها، وبمعاملة النفس بشكل إيجابي يعزز من احترامها وتقدير ذاتها، وذلك بمكافأتها على ما تحققه مهما كان صغيرا أو بسيطا، دون انتظار الشكر أو التقدير من الناس.