ومن أهم أسس التغيير، إعادة بناء الشخصية الإسلامية، وهذا البناء لن يرتفع إلا بتنقية الفضاء الذي يسبح فيه فعل القراءة في واقع الأمة، القراءة المحركة للإبداع والعطاء، و ليست الدافعة للاستهلاك والتبعية والتقليد . وقديما قال أحد الصالحين ناصحاً ابنه : “إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم! وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم!! وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم!”. فالتقصير في الوعي بأهمية القراءة سقوط فظيع في الفشل الحضاري، وهدم لكل المعالم الحضارية، وعجز مؤلم عن التفاعل مع دعوات القرآن المستمرة للقراءة والتبصر. وحقيقة أن دين الإسلام ينبني على المعرفة والقراءة المتبصرة أمر تناسته الأمة، فغرقت في الجهل، وانحرفت عن مجرى حتمية العلم، واستخدام العقل، ودراسة الكون والإنسان. فليس المفروض أن نظل نعرض رسالة الإسلام الحضارية الكبرى في قميص أولحية أو جلباب، أو تقديم الشريعة في إطار ضيق من أحكام العقاب والردع والإباحة والتحريم، دون استيعاب رحابة الخطاب القرآني القائم على العلم والمعرفة والتفكر والتدبر، و إنما الواجب عرضها عبر رؤى وأفكار تجنبنا مهاوي الانحطاط الثقافي والفكري، وتحفزنا على قراءة الواقع الحاضر قراءة متبصرة، كي نتمكن من الولوج إلى تحقيق فاعلية الحياة الطيبة بمكونات الإسلام الحضارية الشاملة، المتمثلة في قيم الحق والعدل الأزليين، وتفعيلهما في ممارساتنا وسلوكياتنا، وتصديرهما عبر الوسائل المناسبة للعصر، انسجاما مع ما نطمح إلى إعادة الروح إليه، وهو عالم الشهود الحضاري.
من هنا كان تحرير الوعي الإسلامي من التصورات الخاطئة و الراسخة في العقلية الجماعية على مدار قرون الانحطاط، وإخراج الخطاب الإسلامي من التعميم والتداخل والغموض والإبهام، وتجاوز إفرازات وشطحات الانحطاط الفكري، والتداعي العقلي الذي عانته أجيال المسلمين، وإعادة الثقة بالعناصر والمقومات الذاتية للأمة، وتأصيل المفاهيم والنظريات التي تستجيب للتحديات والإشكاليات المطروحة والأسئلة المتجددة، مقومات أساسية لبناء الشخصية الإسلامية، الساعية نحو التغيير، وارتقاء سلم الحضارة.
دة. أم سلمى