هذا الأسبوع حملتني قدماي -اضطرارا- للتسوق في أحد أسواق ” آسيما” التجارية، الكائن بحي من أحياء الدار البيضاء الراقية ..ملأت قفتي بحاجياتي، وكنت أتنقل بين أروقة المحل، وأنا مداهمة بامتعاض متفاقم، فقد كانت الوجوه مغربية بلا شك، لكن التصرفات واللغة والمشية وأشياء أخرى بدت مستعارة من الغرب بشكل ببغائي جد فج، بل مؤلم، حتى ليخال المرء نفسه في سوق غربي لا مغربي، الشيء الذي لا يمكن إلا أن يستفز كل مواطن معتز بمحليته ووطنيته، أما عن الإسلام فمن يجرؤ على الفخار بجذور خير أمة أخرجت للناس؟؟ دون تحرز وحذر من تهمة كل ما من شأنه..؟!!
على أية حال فقد كان المشهد، وإن على مضض، بيد أن الأمر الذي لا يمكن إلا أن يصيب كل ذي فطرة سليمة بالهلع، هو حين خفضت عيني وأنا آخذ مكاني في طابور المنتظرين للأداء، ورأيت بأم عيني الإستعلان البواح بالفاحشة..
فقد كان أمامي في الطابور، شابان لم يتجاوزا سن العشرين يحملان قفة مليئة بقناني الخمر، اشترياها من المحل المغربي، الإسلامي الموقع يا حسرة!
وذروة التطبيع مع المحرمات، سجله هذان الشابان وهما يناديان على رفيق لهما بالخارج، ويذكرانه بعدم تضييع فرصة اللقاء الخمري المرتقب ليلا!، كما فهمت ذلك من حركتيهما وهما في نشوة تامة وبرود، يخاطبان صديقهما، وكأنني غطست في حمام جليدي، استفقت من دوختي التي جعلتني لا أتفقد المحل التجاري قبل الشراء، للتأكد من عدم بيعه للخمور، ثم وأنا في غمرة انصعاقي التفت ورائي لأرى شابا أخر يقود قفته المليئة بقناني الخمر إلى حيث الأداء بكل اعتداد، فانفلت للتو من الطابور ورحت إلى حيث الأروقة، لأعيد السلع إلى محلها، وأمرق بما تبقى من عقيدتي سالما، وأنا أتهيب من أيام لن تحمد عقباها لا قدر الله أمام تناسل هذه المحلات التجارية التي تجر أبناءنا بكل إصرار إلى الهاوية.
“الهوليكانز” الرياضي، من المسئول؟
بعد تناول وجبة غداء متأخر في بيت أمي جلست أمام التلفاز في لحظات استرخاء عابرة، كان المشهد أشبه بساحة عراقية..النار المولعة، وسحب الدخان المتكاتفة فوق ملعب، خمنت دون أدنى تفكير أنه ملعب إسباني أوإنجليزي، وإن تملكني بعض من شك أمام هيئة الملعب المتداعية الشبيهة بملاعب العالم الثالث، وأفضيت إلى اليقين التام بأنه ملعب عربي حين رأيت الرؤوس السوداء تتناطح، والسحنات الغبراء الكالحة تتهارش!
قلت لأخي أي مباراة هذه، فقال : الوداد والرجاء، فانتابني هلع وصرخت : أيجرؤون؟ من أعطاهم حق تنظيم ” الديربي” كما يسمونه في هذا الوقت بالذات إنهم يستهترون حقا بأمن المدينة، سيجعلونها خرابا أكثر من المرات الماضية، لأن الشباب من رواد الملاعب يحملون هذه الأيام، خيبة مسرحية انتخابية هزلية درامية ينطبق عليها المثل المغربي : “من لا تريد أن ترى وجهه في الشارع يريك عورته في الحمام”، وبالمباشر، فقد عاقب الشباب بصفة خاصة والشعب بصفة عامة في انتخابات الخريف المر، منتخبين عاثوا فوضى في الخارطة الانتخابية على شاكلة الهوليكانز، (السياسي هذه المرة) ولم يخدموا إلا مصالحهم ومشاريعهم الموسعة إلى الفاميليا وما جاورها، وبدون أدنى حرج عاد هؤلاء المنتخبون لمغازلة الشعب، وإذ رد على استخفافهم به، بهجران صناديق الاقتراع، ردوا عليه، بالتربع على أنفاسه لخمس سنوات أخرى، وكالعفاريت طلعوا عليه بسحناتهم الثقيلة، الحليقة اللامعة في التلفاز، ولسان حالهم يردد : نحن هنا مرة أخرى ولتشرب البحر أيها الشعب الجاحد، ما أحلى الرجوع إليك إليك، إليك..
وهؤلاء الشباب المراكمون (بفتح الكاف)، في فضاء الفرجة الكروية لتبليط أدمغتهم، وصدها عن الصحوالمكلف، يحملون أيضا خيبة أسعار خيالية لمواد معاشهم، أسعارا أفرغت إبان الشهر المعظم والدخول المدرسي القاسي جيوبهم وجعلتها تتدلى كالفلفل المشوي، إذ يصفر فيها الريح والخواء..
ومع ذلك ينتظر السادة المنظمون أن تمر مباراة التنفيس سالمة غانمة ؟!!
وكما خمنت، فمساء، بعد انتهاء المباراة بهزيمة الرجاء وانتصار الوداد خرجت أمواج بشرية هائلة من الشباب إلى الشارع بعدما أتلفت الملعب، وكسرت كراسيه والصنابير الخ.. وعاثت تدميرا وحرقا في كل ما يتحرك أمامها، وبالشارع العام ازداد جحيم سعارها فكسرت زجاج كل السيارات التي صادفتها أمامها سواء أكانت للخواص أو العامة، كما هوشأن حافلات النقل التي أحالتها إلى هياكل عظمية تمشي على أربع، ناهيك عن الاشتباك بالعصي والهراوات والسكاكين، وقناني الخمر والجعة، وقد أكد شهود عيان ومشرفون على الشأن الرياضي أن المخربين من هوليكانز “المسلمين”!، يستهلكون بكثرة، المخدرات وحبوب الهلوسة والخمور خارج وداخل الملعب، مما يجعلهم يدخلون في نوبة هستيريا خطيرة جدا، وحذروا في مواقع على الانترنيت من أن ظاهرة الشباب المخربين تنذر بتهديدات جمة لأمن الدار البيضاء.
وحقا فإن من قام بجولة للشوارع القريبة من الملعب وتلك التي تؤدي إلى الأحياء الهامشية بالبيضاء عشية انتهاء المباراة يوم السبت، ستصيبه السكتة القلبية لهول ما سيرى من طبقات زجاج مكسور، تغطي، بل تغلف شوارع البيضاء،والتي أحدثها الشباب المشاغبون في ثورتهم على وطن غسلت أطيافه المثقفة يديها من شؤونهم وغاصت في هموم أرصدتها ومشاريعها..
وللمواطن المسكون بقضايا الوطن أن ينزل إلى الشارع للتفرس في سلوك وسحنات أولئك الغاضبين، وسيتبين في ملامحهم وسلوكاتهم إلى أي حد تشوه المواطن المغربي السمح الوديع المعتدل، وغدا في غمرة يأسه منا جميعا، طيعا لتجنده قوى “الظلام الدينية”، (والدين منها براء)، أواللادينية، وعلى رأسها أولئك الذين يبيعون الخمور، “علا عينيك أبن عدي” لشباب المسلمين!!.
ويتساءل المواطن الغيور، هل يوجد فرق بين من يتمنطق بمتفجرات يفجر بها نفسه والأبرياء، ومن يتمنطق بزجاجة الخمر والحبوب المهلوسة فيعيث اغتصابا وذبحا في الأطفال والنساء الآمنات، ودمارا للمرافق العامة والخاصة؟!..
يحكي أحد الأساتذة في مدرسة خصوصية، قرب أحد الأحياء الراقية بحي المعاريف، أن إحدى التلميذات من بنات الذوات، يشتغل أبوها رجل أعمال وأمها امرأة أعمال، (تبارك الله!!) جاءته بجسمها وكله جروح بعد أخذها للحبوب المهلوسة! وضربها لجسدها بشفرة الحلاقة في أنحاء متعددة منه، وهي فاقدة لوعيها، وحين استدعت الإدارة أبويها لاستفسارهم انخرطت الصبية في موجة بكاء حاد، وهي تصرخ فيهم باللغة الفرنسية ( كما علموها):
(لقد فات الأوان يا ماما لا أستطيع العودة إلى طبيعتي البريئة، أنت وأبي المسؤولان.. دائما غائبين ونحن مع الخدم، أعطيتمونا المال ولم تعطونا حبكم وحضوركم، أنتم دائما في اجتماعاتكم، حتى، ليلا.. لا حاجة لي بكم الآن..)!!
فهل سيأتي علينا يوم نسمع فيه شبابنا، وقد ضاعوا منا جميعا، مابين حراك وإرهابي وسجين وأحمق بفعل ” السيلسيون”، يقولون لنا : (فات الأوان، شغلتكم المناصب والكراسي والنياشين و”التوجيهة ” أمام عدسات الكاميرات عـنـا، وقد زرعتم الريح، فاجنوا الآن العاصفة)!