رحِم الله زمانا كانت فيه الثقافة موجهة للسياسة، وكانت الأقلام محركة للشعور العام الوطني نحو التحرر والانعتاق من هيمنة الأنظمة الاستبدادية، من منا يتذكر قصيدة “النكسة”للراحل عمر أبو ريشة والتي كانت سببا في إسقاط حكومة من الحكومات السورية؟! من منا يعرف الشاعر البرازيلي “كاسترو ألفيس Castro Alves” صاحب ديوان “سفينة العبيد” والذي اعتبره النقاد بمثابة الشرارة الأولى التي أججت حركة تحرير العبيد في البرازيل وكل أمريكا اللاتينية؟
من منا سمع “بفاكلاف هافل” الكاتب المسرحي التشيكي الذي حملته الثقافة إلى سدة رئاسة جمهورية التشيك ولم تستطع السياسة وهو يتربع على قمتها أن تنال من شعوره الثقافي والإنساني، سَبَبُ هذا الكلام هو ما تشهده الساحة الوطنية الحبلى بالمتناقضات من هزات ثقافية وسياسية، أخرست الأقلام التي كانت في يوم ما تحمل شعار الدفاع عن الجماهير الشعبية.. وبعد أن حملتها موجة التغيير إلى سدة الحكم، لمْ تستثمر موقعها السياسي في ترسيخ ثقافة الجماهير، بل بدأت تنظر إلى هذه الجماهير من برجها العاجي، وخرس لسانها عن تتبع هفوات السياسيين لتخندقها معهم في نفس الحيز الايديولوجي، واستمر هذا الانحدار مع إعلان حكومة السيد عباس الفاسي والتي لم تعبر عن أحلام المغاربة، هذه الحكومة التي جاءت بقرارات فوقية، رغم أنف الأحزاب ذات الأغلبية، لم تستطع أن تحرك الحبر المتكلس في أقلام الرفاق الذين رضوا بما أصابهم من رذاذ السياسة… إنها لعنة الكرسي الذي يحول نوعا من المثقفين إلى أقلام حربائية تكتب تحت الطلب… أقلام ترتاد نوادي “الگولف” عوض نوادي الفكر والثقافة وتمارس سياسة ترويض الخيول بدل تحريك العقول.. ولله في خلقه شؤون.
ذ. أحمد الأشـهـب