الخطبة الأولى
الله أكبر(3)
الله أكبر جلت عظمته، وعزت صفاته وتقدست أسماؤه.
الله أكبر علّم عبده، وأتم وعده، وأحكم عهده،
الله أكبر وسع كل شيء علماً وقدرة وحكمة.
نحمده تعالى ونستغفره، ونتوب إليه ونسترشده، ونلوذ به ونستهديه، فاز من تعلق بحبله وظفر، وهلك من لاذ بغيره وخسر، ونشهد أنه الله الذي لا إله سواه، بديع السماوات والأرض، قدر الأرزاق لخلقه، وأنزل لبيان على عبده، وأمره أن يكون عند شرطه وعهده، لم يدع سبحانه أيّاً من خلقه سدى، وزاد من التمس هديه هدى، دل عباده على مسالك السعادة، وأنذرهم مزالق الشقاوة، وغار عليهم أن يحيدوا عن وحيه، وحبب إليهم أن يهتدوا بنوره، فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اصطفاه من خلقه، وصنعه على عينه، واجتباه لهداية عبده، فكان بهم رؤوفا رحيما، شمل بعطفه المستجيبين، ووسع بحلمه المترددين، وأسف وحزن على المعاندين المكابرين، وكان وفيّاً للناس أجمعين، عالج آفات الشرك والوثنية، والعاداتِ والأعراف الجاهلية، بالآيات المحكمات، وقوم اعوجاج النفوس والقلوب بالسنة النبوية والسيرة العملية، وربى القادة وخرج السادة، إيمانُهم وعلمهم وأخلاقهم قبلة عشاق القيادة والريادة. صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار، ورضي الله عن التابعين الأبرار، وعمن استمسك بحبلهم إلى يوم القرار.
أما بعد :
فهنيئاً لمن صام وقام إيماناً واحتساباً، وطوبى لمن انتصر على نفسه وهواه، فتحرر من العادات الذميمة وتخلص من الأخلاق المقيتة، فهو اليوم كيوم ولدته أمه، نقياً طاهراً من دنس الدنوب، وقد علمتم أن الشياطين تصفد وتحبس عن الصائمين المحتسبين طيلة شهر رمضان، فمن منكم يطيق أن يواجه شياطين الإنس والجن بعد رمضان؟ ومن منكم يقبل أن يعود إلى دنس المعاصي ولوث السيئات بعد أن طهره الله منها بالصيام والقرآن؟ ولقد علمتم أن روح الصيام وروح القرآن هو السر في ذلك التطهير، وفي ذلك السمو والارتقاء نحو الملإ الأعلى، فهل عاهدتم الله تعالى على الاستمرار في أنوار رمضان والسير على هدي القرآن؟ وهل عقدتم العزم على مجانبة الخبائث وترك المذمات إلى رمضان المقبل بحول الله؟ فاحذروا الانتكاسة ورجوع القهقرى وفقني الله وإياكم.
الله أكبر (3)
عباد الله، تعلمون أن قوانين الإسلام التي شرعها الله سبحانه في الكتاب المبين، وسنها رسوله بالسنة المشرفة، هي كثيرة ومتفاوتة، منها الضروري الواجب، ومنها دون ذلك، منها ما يؤسِّس العقيدة، ومنها ما يصحح العبادة، ومنها ما يميز الحلال من الحرام، ومنها ما يقوّم الأخلاق ويصوب العلاقات الاجتماعية، منها ما يحمي الأمة ومنها ما يصون الأسرة، ومنها ما يسدد الفرد.
وبحماية الأسرة وصيانة كيانها وعشها من الآفات يتقوى جانب الفرد، ويسلم المجتمع وتعز الأمة، وقد أولى القرآن الكريم والسنة النبوية كامل العناية وفائق الرعاية للأسرة المسلمة، وصرح بالآفات الخطيرة التي تفتك بسلامتها وتقطع وشائجها وتفككها إرباً إرباً، وعلى رأس تلك الآفات اقتلاعُ الغيرة من النفوس، وانتزاعُ الحمية على الأعراض من القلوب، والاستهانة بكشف العورات، واعتيادُ الخلاعة والعري، وإلفُ السفاهة في الأحوال والأعمال، والبذاءة في الأقوال، والأنسُ بالفاحشة، واعتبارُ ما كان بالأمس عاراً وفضيحة، نشاطا وتمتعاً، وانطلاقاً وحرية، ولا يخفى على من يجول أحياناً بعد غروب الشمس في الشوارع والدروب المجاورة للفنادق الساهرة، والمقاهي الفاخرة، فحدث ولا حرج عن مظاهر الفتنة والفسق، وما يحدث داخل الفنادق ودور الضيافة أفظع وأشنع، وقد صار الحديث عن نساء المغرب وبنات المغرب في الدول العربية والأوروبية يهب مع الريح حيثما هبت، وكلما وقعت عيناك على شكل من لباس النساء فضاح للعورات، وكاشف للسوءات ومِلْتَ بعينك إلى جهة أخرى وقعت عيناك على شكل آخر أشد كشفاً وأكثر فضحاً، وإنها لمصيبة عظمى جُرت إليها المرأة المسلمة باسم الحرية وا لتحرر، يحميها قانون الذئاب الذين وضعوه لاقتناصها في كل مكان، دون عناء ولا مشقة!! إنها لفتنة الفتن في زماننا، وصدق رسول الله إذ يقول : >إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء< زاد في رواية : >فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء< هذا لفظ الإمام مسلم، وعند النسائي : >فما تركتُ بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء<.
وهذه الفتنة تولدت عنها فتن أخرى أصابت المرأة في فكرها ونفسها، وفي ثقافتها ومنطقها، وفي مشيتها ولباسها، وفي كسبها ومعاشها، حتى تقول المرأة لزوجها : لا سلطان لك عليّ، أخرجُ متى شئت، ومع من شئت، وإلى أي جهة شئت، وألبس ما شئت وأقول ما شئت، وأشاهد ما شئت…. وقد انتقلت تلك الفتن إلى الآباء والأمهات، والإخوان والأخوات، وكل أفراد الأسرة ، إذ صاروا -إلا من عصَم الله- يُعجَبون ويستحسنون كشف العورات وفضحَ السوآت من بناتهم وأخواتهم وزوجاتهم وأمهاتهم يدافعون عن ذلك ويعُدونه من الثقافة والتفتح الفكري، ويعتبرون المنكر عليهم رجعيّاً بليداً، لا ذوق له ولا حس يتدوق به الجمال في نظرهم. لقد صار المستقبح عند الله، والمستكره عند الرسول والمومنين مستظرفا مستملحاً عندهم! وأي فتنة أعظم وأشد على الناس من أن يصبح القبيح في شرع الله حسناً عندهم، والمنكر في الوحي مقبولا مرضياً بينهم.
وإن من هؤلاء النساء المفتونات لمَن تقصد قصداً إلى إشهار الأجسام العارية، وكشف وعرض الأعضاء الفاتنة، وإن كان عليهم لباس، فهو يصف الجسم وصفاً كأنك تراه عارياً، وإذا كان التبرج المحرمُ بالكتاب والسنة هو أن تكشف المرأة محاسن جسمها للناس، وتبرزَ مفاتنها، وتظهرها للمشاهدين، فأين تبرج الجاهلية الأولى من تبرج جاهلية اليوم؟ وإن من أولئك النساء المضِلَّلات من هي مأجورة من قبل الجهات المحاربة للأخلاق الإسلامية، المعادية للآداب الشرعية الكريمة، المنفقة على نشر أشكال الفاحشة، في الأوساط الإسلامية المستمسكة بدينها، المستحيية من ربها، وتلك آثار الزنى واللواط لا تخفى على الناس، فهذه الآلاف بل الملايين من المصابين بالإيدز والسيدا وغيرها من العاهات الخبيثة، التي تُفقِد مناعة الأجسام وتشوه جمال الخلقة، وتورث البلايا والمآسي، وتولد أنواع العجز والضعف في أبناء الأمة وأحفادها، وتفعل فيهم فعل سموم الأسلحة النووية التي تسكن الأجسام فتدمرها، وفعل النفايات التي تدفي في أراضي المستضعفين فتفسدها على مدى مآت السنين، قال تعالى : {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
الله أكبر (3)
عباد الله، إن الله سبحانه جعل في نفوس وقلوب العباد الغيرة على الأعراض وبث فيهم الأنفة والحمية على شرفهم وكرامتهم، وإن الذي يعمل على اقتلاع الغيرة من الناس، وعلى مسخ طبيعتهم لهو أشد تغييراً لخلق الله، ولهو أكبر إفساداً لما أصلح الله، والغيرة -عباد الله- هي كراهة المرء -ذكراً كان أو أنثى- اشتراك غيره فيما هو حقه. يقال : غار الرجل على امرأته، أي ثارت نفسه وهاجت أنفته، واشتد انفعاله وقلقه إذا أبدت امرأته زينتها، وكشفت محاسنها لغيره، وكذلك تغار المرأة على زوجها إذا رأت امرأة أخرى شاركتها في زوجها، على وجه غير مشروع، وتتسع دائرة الغيرة المشروعة فتشمل -مع الأزواج- البناتِ والأمهات والأخوات، والعمات والخالات، وبناتِ المسلمين ونساءَهم، فيجب على المسلم الحق أن يغار على هؤلاء جميعاً، مثل غيرته على بناته وأمه وأخته، ويجب أولا، وقبل ذلك أن يغار المسلم على الله عزوجل، وعلى كتابه وسنة نبيه وعلى وطنه وأمته، وعلى أسلافه من قبله، وعلى أحفاده من بعده.
والغيرةُ منها ما هو محمود مطلوب، وهي أن لا يتغافل المرء عن البدايات والعلاقات التي يُخشى عواقبُها، فهذه الغيرة في محلها، ولابد منها، وخاصة إذا بدت أماراتُ الريبة والشك.. لكن على المرء ألا يبالغ في المتابعة والمراقبة حتى يسيء الظن، ويتعنت ويتجسس على البواطن ويتهم النوايا، ففي الحديث : >إن من الغيرة غيرةً يُبغضها الله عز وجل، وهي غيرةُ الرجل على أهله من غير ريبة< لأن هذه الغيرة من سوء الظن الذي نهانا الله عنه، والغيرة المحمودة مأمور بها شرعاً، واقرأوا إن شئتم سورة النور، وسورة الأحزاب، تقفوا على ما جاء به القرآن من حدود وسدود، تحوط الفرد والمجتمع والأمة -في الإسلام- من العفونات والخزايا، وتبقيه النموذج الأمثل و الأقوى والأسلم لمن أراد أن يتطهر من العالمين، واعلموا -عباد الله- أن الغيرة التي تعتبر وقاية ودرءاً للمفاسد ليست هي الغيرة القومية ولا الغيرة الجاهلية وإن كانت نافعة أحيانا، فهي ليست على وجه الشرع، ولا هي خالصة لله تعالى يثاب عليها ولا يعوّل عليها في المنهج التربوي الإسلامي.
وأما الأدلة على الغيرة المشروعة من السنة النبوية فعن عقبة بن عامر ] أن رسول الله قال : >إياكم والدخول على النساء< يعني الأجنبيات، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله، أفرأيت الحَمو؟ قال : >الحمو الموت<(رواه البخاري) والعرب تصف الشيء المكروه بالموت، ومعنى الحديث، امنعوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء، وامنعوا النساء أن يدخلن عليكم، وقال الإمام النووي في تفسير قول النبي : >الحمو الموت< قال : المراد أن الخلوة بقريب الزوج أكثر من الخلوة بغيره، وأن الشرّ يُتوقع منه أكثر من غيره، والفتنة به أمكن، لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة بها، من غير نكير عليه، بخلاف الأجنبي.
وقال القرطبي صاحب “المفهم” : إنما بالغ النبي في الزجر عن الحم، وشبهه بالموت لتسامح الناس به من جهة الزوج والزوجة، لإلفهم بذلك، لقاءَ الحمو بالزوجة قد يؤدي إلى موت الدين، أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج، أو إلى الرجم إن وقعت الفاحشة.
وقال ابن الأثير في النهاية : المعنى أن خلوة المحرم بالمرأة، أشد من خلوة غيره من الأجانب، لأنه ربما حسّن لها أشياء، وحملها على أمور تثقل على الزوج مثل التماسِ ما ليس في وسعه، فتسوء العشرة بين الزوجين بذلك ولأن الزوج قد لا يحب أن يطلع والد زوجته مثلا على أسراره. وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال : >لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم< فقام رجل فقال : يا رسول الله، امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا.. فقال : >ارجع، فحج مع امرأتك<.
ومنع رسول الله المخنث من الدخول على النساء لمّا سمعه يصف المرأة بصفات تهيِّج نفوس الرجال، فمنعه ليلاّ يصف الأزواج(ج : زوجة) للناس فيسقط معنى الحجاب. فهذه أحاديث قوية في حراسة الأسرة، وعدم الغفلة عن تتبع أحوالها في زمن الوحي، وعصر الخلافة الراشدة، فافهموا واعتبروا يا أولي الأفهام والاعتبار.! وقد أصبحت مظاهر المجتمع المسلم لا تختلف كثيراً عن مظاهر الخلاعة والانحلال والتفسخ في المجتمعات المشركة، حتى إن الكفار ليجادلوننا اليوم بأن لا فرق بيننا وبينهم، لأننا نشرب الخمر ونأكل الخنزير، والربا ونأتي الزنى واللواط من كافة أبوابه، ونمارس القمار بجميع أشكاله، ونسكت عن عري نسائنا وبناتنا في البيوت والشوارع والشواطئ والفنادق والمسارح والأفلام، وما خفي أفحش وأخزى.
اللهم أحي الغيرة الشرعية في نفوس المسلمين، وبصّرهم بسوء المصير الذي هم عنه غافلون، وابعث الحياء في ذكورنا وإناثنا حتى نخشاك حيث كنا، واكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك.
آمين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الله أكبر (3)
أيتها المسلمة العاقلة الغافلة، انتبهي واستمعي إلى حرص النساء المومنات على العرض والكرامة وصيانة الأسرة، وتدبري فهم الصحابيات اللائي كن يسارعن إلى الاستجابة لله ولرسوله، دون تفلسف ولا جدال، ولا صرف للفظ الدليل عن وجهه، ولا تلاعب به، ولا تعسف في تأويله حتى يفرّغ من معناه، ويصير موافقاً لأهواء المبتدعين ورغبات الملحدين الزائغين عن صراط رب العالمين.
أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : >يرحم الله نساء المهاجرات الأُوّل، لما أنزل الله : {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} شققن مروطهن فاختمرن بها<، أي غطين وجوههن.
وعن صفية بنت شيبة عن عائشة كانت تقول : لما نزلت هذه الآية {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} أخذن أُزرهن فشققنها من قِبل الحواشي، فاختمرن بها< فالمروط هي الأزر. وكانت المرأة في الجاهلية تُسدل خمارها من ورائها، وتكشف ما قدامَها، فأُمِرَت المسلمات بالاستتار.
وأخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : تزوجني الزبير بن العوام و ماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضحٍ، وغيرِ فرسِه، فكنت أعلف فرسَه وأستقي الماء، وأخرز غربَه -أي دلوه- وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير -التي أقطعه رسول الله – على رأسي، وهي منّي على ثلثي فرسخ(1)، فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيتُ رسول الله ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال : >إخ إخ< ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته -وكان أغيرَ الناس- فعرف رسول الله أني قد استحييت، فمضى، فجئت الزبير فقلت : لقيني رسول الله وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب، فاستحييتُ منه، وذكرت غيرتَك، فقال (الزبير) : والله لحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبِك معه، قالت : حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني< وفي هذا الحديث دروس تربوية للمرأة المؤمنة المتواضعة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن صفية بنت شيبة قالت : ذكرنا عند عائشة رضي الله عنها نساء قريش وفضلهن فقالت : >إن نساء قريش لفضلاء، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشدّ تصديقاً بكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل لقد أُنزلت سورة النور {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، فما منهن امرأة إلا قامت إلى قرطها، فأصبحن يصلين الصبح معتجِراتٍ، كأن على رؤسهن الغربان<.
وانتبهوا أيها الرجال -ولعلكم رجال، وتدبروا تحذير الرسول عليه الصلاة والسلام من الخلوة بالمرأة الأجنبية، وسدّه للمنافذ التي يمكن أن تتسرب منها الفاحشة : أخرج البخاري عن أنس ] قال : لأحدثنكم حديثاً سمعته من رسول الله لا يمدنكم به أحد غيري، سمعت رسول الله يقـول : >إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيمُ الواحد<. والقيم : الرجل الذي يقوم بأمورهن، ويمكن أن يكَنَّى به عن اتباعهن له، لطلب النكاح حلالا أو حراما<. ولا أدري هل المراد بالرجال في هذا الزمان الذكور، أو ذوو الكفاءة والرجولة والمواقف الكريمة!
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن علي ] : ألا تستحون أو تغارون؟ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج.
الله أكبر (3)
عباد الله، أحسِب أنكم تدبرتم وتفهمتم كيف كانت غيرة النساء المومنات، وكيف كان حرص الرجال المومنين على شرف العرض ، وسلامة الأسرة، وعافية المجتمع، وإذا قال أحدكم إن أسباب الفواحش اليوم ميسرةٌ ومنافذها مفتوحة والدواعي إليها قائمة في كل جانب، والنجاة منها أمر عسير، فاستمعوا رحمكم الله إلى ما قاله ابن القيم رحمه الله في سيدنا يوسف عليه السلام، واعتبروا به لعلكم تنجون بإذن الله. قال ابن القيم : قد ذكر الله سبحانه وتعالى عن يوسف الصديق عليه السلام من العفاف أعظم ما يكون، فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره، فإنه عليه السلام كان شاباً، والشباب مركبٌ الشهوة، وكان عزَباً، ليس عنده من الحلال ما يعوضه، وكان غريباً عن أهله ووطنه، والمقيم بين أهله وأصحابه يستحيي منهم أن يعلموا به فيسقط من عينهم، فإذا تغرب زال هذا المانع، وكان في صورة المملوك، والعبد لا يأنف مما يأنف منه الحر، وكانت المرأة ذات منصب وجمال والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك، وكانت هي المطالبة، فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبُه وخوفُه من عدم الإجابة، وزادت المرأةُ مع الطلب الرغبة التامة، والمراودة التي يزول معها ظنّ الامتحان والاختبار، لتعلم عفافه من فجوره، وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان ومكانه الذي لا تناله العيون، وزادت مع ذلك تغليق الأبواب لتأمن هجومَ الداخل على بغتة، وأتته بالرغبة والرهبة، ومع ذلك كله، عف لله، ولم يطعها، وقدم حق الله، وحق سيدها على ذلك كله. وهذا أمر لو ابتُلي به سواه لم يُعلَم كيف كانت تكون حاله. فإن قيل : فقد هم بها، قيل : كان همه همّ خطراتٍ فتركه لله، فأثابه الله عليه، وكان همها همّ إصرار، بذلت معه جهدَها، فلم تصل إليه، فلم يستو الهمان.
الله أكبر (3)
عباد الله، إن الله الذي وضع هذا القانون المتين، المفصل الحاسم لتنظيم علاقة الرجل بالمرأة،في المجتمع المسلم، أراد سبحانه من المرأة المسلمة أن تكون منبعاً عذبا، وقراراً دائما للفضائل والمكرمات، تربي الرجال والنساء على الإخلاص والصدق، والطهارة والعفاف، تقيم الأمة على أسس الدين الراسخة، وتصحح بها مسيرة التاريخ البشري الصالحة المصلحة، وتقوّم المعوج بالمواقف الجادة، وتجدد المفاهيم الفكرية عن المرأة القوية المؤثرة…. وهذا بعض معنى القولة المشهورة : إن المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها. أما المرأة الفتنة، المرأة السائبة، المرأة المضلّلة، فهي تبحث عن شخصيتها بين المواخر، وبالجرأة على الله والرسول، والتبعية المطلقة للمستهترين المستهزئين، وبذلك تحدث التغيير في المجتمع، ولكنه تغيير التخريب والهدم، تغيير الإفساد والإفلاس، تغيير التخبط الذي ينافس الخمر، والرقص والخلاعة وانتاج المزيد من أبناء الزنى.
عباد الله : لعلكم عرفتم ضرورة الغيرة الشرعية على الأعراض، من خلال الأدلة والبراهين السابقة وتعرفون حتماً عواقب التفريط في الغيرة، وإهمال الحراسة والصيانة للشرف والكرامة، فيما تشاهدونه وتقرأونه في كل مكان! فهل عرفتم أن غيرة الله أشد من غيرة النبي ؟ وأن غيرة النبي أشد من غيرة الصحابة؟ فعلام يَغار الله عز وجل؟
أخرج البخاري عن سعد بن عبادة ] قال : لو رأيتُ رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصفِح. فقال النبي : >أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني<.
وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال : >يا أمة محمد، ما أحد أغير من الله أن يرى عبدَه أو أمَتَه تزني، يا أمة محمد، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيراً<.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة ] عن النبي قال : >إن الله يغار، وغيرةُ الله، أن يأتي المؤمن ما حرم الله<.
فكم هم الغيورون على الله عز وجل، ألاّ يُسَبَّ ولا يشتم، وقد صفع أبو بكر ] اليهودي اللعين فخاصاً لما قال >إن الله فقير ونحن أغيناء< فلم يملك أبو بكر نفسه -وهو المعروف بالحلم- أن يصفع اليهوديّ المقيت غيرةً على الله عز وجل، وكم هم الغيورون على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله، ألا يُطفأ نور الوحي، ولا يُغير هداه، ولا يُحرم منه العباد، وهم في أشد الظمإ إليه، وها هو يهودي مغربي، يطالب بتعديل برامج التعليم في المغرب -وهي كما تعلمون من الهزال الديني والخلقي- حتى لا يبقى أبناء المسلمين بالمغرب يعادون أبناء اليهود. وهذا أسقُفُّ كنسية الرباط يصرِّح بين المغاربة المسلمين بأنه (لا توجد ديانة أفضل من الأخرى) فهذان الكافران لا يشعران بأنهما ذميان تحت ذمة السلطة المغربية المسلمة، وإنما يعتبران أنهم سواسية مع المسلمين، إن لم يكونوا يعتبرون المغاربة تحت ذمة اليهود والنصارى، قال تعالى : {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر<.
اللهم بديع السماوات والأرض عالم السر والنجوى، مدبر أمر الكون كله، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين اللهم فارج الهم وكاشف الغم ومجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ارحمنا برحمتك، وأحينا بألطافك، تول أمرنا وفك أسرنا، ولا تكلنا إلى ضعفنا، وقنا شرور أنفسنا، وألهمنا رشدنا، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
د. محمد أبياط
عضو المجلس العلمي المحلي بفاس وخطيب مسجد يوسف بن تاشفين.
——
1- ثلثا الفرسخ : ميلين : 3218 متر.
جزاكم الله خيرا ونفع بكم