أخطر أمراضنا نحن المسلمين اليوم مرض الغفلة عن الله، وأخطر منه قلة الأطباء المهرة الذين بإمكانهم علاج الأمة من هذا المرض الفتاك، في الوقت الذي يوجد فيه من “القتلة” الذين يعملون ليل نهار على إبقاء الأمة في غفلتها، وإعطائها جرعات إضافية من السم بين كل لحظة وأخرى ما يتجاوز كل عد وإحصاء سواء من حيث أشخاصهم أو أساليبهم أو أماكنهم.. وأخطر من هذين المرضين معا التعالي عن العلاج والترفع والتكبر عن المعالجين!!
يا عبد الله اعلم أن الوقوع في الذنب خطيئة، لكن الأخطر منها هو أن يوعظ المذنب فلا يتعظ، والأشد منها هو أن ينصح ويذكر فلا يقبل النصيحة ولا التذكرة، ولقد قص الله جل وعلا علينا أخبار قوم كافرين، ووصف لنا حالا من أحوالهم، ذلكم هو حال تذكيرهم بآيات الله، فقد كانوا يتكبرون ويتعالون ويرون أنفسهم أكبر من ناصحيهم ومذكريهم، قال تعالى : {وإذا تتلى عليهم آياتُنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسْطُون بالذين يتلون عليهم آياتنا} فظلوا مرضى، وماتوا على ذلك، وكانت لهم النار {النار وعدها الله الذين كفروا ولبيس المصير}.
وأنت -آخي الحبيب- ماذا يكون موقفك، وكيف يكون ردك حين تقع في خطأ عن قصد أو غير قصد، عن علم أو جهل، ويريد بك الله تعالى خيرا فيرسل لك من يذكرك وينصحك، وهو يقول >اتق الله< ماذا تقول أيها الأب والأستاذ والعالم والمدير والرئيس والمسؤول حين تقع في عفلة فيقولها لك ولدك أو تلميذك أو موظفك أو واحد من عامة المسلمين صريحة مدوية : يا عبد الله اتق الله!! إننا جميعا خطاؤون، فهل نحن من التوابين أم من المتعجرفين المتعالين؟ دعني أطرح أمامك موقفين يمثل كل منهما فريقا من الناس :
1) ثبت أن رسول الله أخبر عن ثلاثة نفر آواهم المبيت إلى غار فلما دخلوا انسد عليهم، واتفقوا أن يدعو كل واحد منهم المولى الكريم سبحانه بعمل صالح عمله، لعله سبحانه يفرج عنهم ما حل بهم، وكان أن قال أحدهم ((اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار فسعيت حتى جمعت مائة دينار فلقيتها بها فلما قعدت بين رجليها قالت : يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها..(( فلقد غفل الرجل فكاد أن يزل لولا أنه كان ممن إذا قيل له اتق الله اتقاه فعلا.
2) ما حكاه القرآن عن بعض الناس، قيل إنه الأخنس بن شريق الثقفي وقيل غيره فقد كان إذا قيل له اتق الله انتفخ وتعالى وتكبر قال تعالى : {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبيس المهاد}.
فهل وعيت الرسالة، وفهمت الإشارة كما فهمهما هارون الرشيد رحمه الله؟ ((فقد ذكر أن يهوديا كانت له حاجة عند هارون الرشيد فاختلف إلى بابه سنة فلم يقض حاجته فوقف يوما على الباب فلما خرج هارون سعى حتى وقف بين يديه وقال : اتق الله يا أمير المومنين، فنزل هارون عن دابته وخر ساجدا، فلما رفع رأسه أمر بحاجته فقضيت، فلما رجع قيل له : يا أمير المومنين، نزلت عن دابتك لقول يهودي! قال : لا، ولكن تذكرت قول الله تعالى : {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبيس المهاد}))(1) فاحفظ هذا الموقف جيدا، وتذكر هذا المصير دائما.
ذ. امحمد العمراوي
—-
1- الجامع لأحكام القرآن 19/3.