بعد حصولي على البكالوريا، ألححت على تحقيق حلمي في دراسة تخصص علمي لم يكن حينها في المغرب… عارضت أسرتي ذلك، لكنني استطعت إقناعها..
في الغربة، حيث خفت الفتنة على نفسي، فتزوجت مسلما من دولة عربية، رغم معارضة أسرتي، ولم أعر أي اهتمام لفارق المستوى العلمي بيننا، إذ لم يكن مستواه الدراسي يتعدى الإعدادي.. فقط اعتمدت على معيار مواظبته على الصلاة… ولم تكن نيتي سوى إحصان نفسي..!
غير أن ظني قد خاب بعد زواجي منه.. فقد كان يعاملني معاملة فظة، كلها شتم وقذف وتعذيب جسدي ونفسي… بذلت أقصى جهدي في الإحسان إليه، لعله يُحْسِن إلي، لكنه كان يتمادى في ظلمه لي.. ولم أشك همي لأحد ولو لأسرتي، سوى الله عز وجل، وكنت أفرغ شحنات معاناتي في الاجتهاد في دراستي.. كان زوجي -إضافة إلى بخله العاطفي- بخيلا ماديا، لم ينفق علي قط، فقد كنت أنفق على نفسي من منحتي الدراسية… وبعد تخرجي، كان يسلبني مالي كله، كما كان يسلبني حقوقي الزوجية دائما..
صبرت راضية بقدري.. حتى أنجبت منه أربعة أبناء.. لم يتحمل أي مسؤولية والدية وحتى إنسانية تجاههم.. كان يعنفهم كما يعنفني، فنفرهم منه، رغم محاولاتي رأب الصدع بينهم وبينه وحثهم على احترامه، لأنه مهما يكن فهو والدهم، وواجب عليهم البرور به وتقديره..!!
صبرت على أذاه مدة عشرين سنة، لم يمر يوم دون أن يضربني ويؤذيني إلى حد البطش بيده ولسانه…!
عدنا للاستقرار في المغرب.. وكعادته، لم يتحمل أية مسؤولية معنوية أو مادية تجاهنا، فكنت أتولى الإنفاق عليه وعلى الأبناء والبيت، وقد آثر العطالة على العمل…
ورغم قربي من أهلي، لم أبح لهم قط بمعاناتي.. أنشأت مشروعا واقترحت عليه إدارته، لكنه كان يستولي على الأرباح كلها ويقوم بصفقات لحسابه، دون مراعاة للأمانة.. فآثرت الصمت حفاظا على استقرار نفسية أبنائي..
غير أنه تمادى في ظلمي وبخسي حقوقي الزوجية والمادية، وقد كان الشيطان يزين لي الزيغ عن الاستقامة، لكنني كنت أستعيذ بالله منه، وأجتهد في الدعاء والتقرب إليه عز وجل…!
استخرت الله كثيراً، خاصة أمام الكعبة المشرفة وفي كل مناسك الحج.. فقررت الطلاق!
عارض أهلي طلاقي، فالطلاق -في نظرهم- عيب وعار على العائلة، خلعت نفسي منه بتنازلي عن شركتي له، لأعود إلى الصفر… احتفل أبنائي يوم طلاقي ورفضوا العيش معه لأنه كان فظا غليظا معهم أيضا!
ولم أكتشف سر معاملته تلك إلا بعد طلاقي، فقد أخبرني أهله أنه كان يعاني مرضا عضالا في المخ يؤثر سلبا على نفسيته.. أحسست بالغبن، فكيف أخفى علي ذلك طيلة عشرين عاما، وشرعا، يجب عليه إخباري قبل الزواج بمرضه..!
ومن الصفر بدأت، والحمد لله نجحت شركتي وتوسعت وتضاعفت أرباحها، كما تضاعف موظفوها..!
تقدم لي خطاب كثر.. اخترت منهم شابا توسمت فيه الصلاح.. استخرت الله تعالى، وتزوجته…!
لكن أهلي عارضوا زواجي هذا أيضا، محتجين بأنه يصغرني سنا، وبأنه طامع في مالي وغناي، وعيب أن أتزوج وأنا أم لأربعة أبناء، كبراهم في العشرين من عمرها!
وهناك من اقترح علي أن أغضب الله عز وجل بلا زواج ولا أحد يعلم!!
هجرني الأهل والمعارف.. حاولت إرضاء الوالدين خاصة، لكن بدون جدوى.. تحديت الجميع، وتزوجت.. فمن حقي ذلك.. وكيف نتأسى بالرسول ، ونمارس نفاقاً اجتماعياً نابعا من نفاقنا لأنفسنا؟! فلماذا عليه الصلاة والسلام تزوج أمنا خديجة الأرملة، الثيب، الغنية، التي تكبره سنا…؟!
بعد كل ذلك الصبر، جزاني الله عز وجل بزوج صالح، صار أبا أيضا لأبنائي عطوفا عليهم. وها نحن نعيش -بحمد الله- حياة كلها مودة وسكن ورحمة..
أوصي أخواتي ألا يهدرن أعمارهن في زيجات فاشلة، وألا يمارسن النفاق الاجتماعي في رفض إعادة تجربة الزواج إن كانت لهن رغبة فيه…!!