لا يفتأ الاهتمام بنهضة الأمة وإصلاحها هو الدافع الأساس لكل من في قلبه بذرات من الخير. وكثيرا ما نسمع ونقرأ بأن الوعي الفكري والثقافي كفيلان بتأسيس دعائم راسخة حقيقية للتغيير والنهضة والخروج من التخلف, وهذا طبعا صحيح و لا جدال فيه، لكنه حقيقة عامة وعائمة، ولذا يتبادر إلى الذهن التساؤل الأبسط والأعمق وهو: كيف السبيل؟؟
لعل أقرب السبل وأوضحها، السبيل الذي توضع فيه لافتة: تصحيح المفاهيم، وبين قوسين نجد: من الانفعال بالقيمة إلى تفعيلها في الممارسة. وطبعا هذه السبيل مداخلها كثيرة ومتشعبة، وتحتاج إلى صبر ومجاهدة، وقبل ذلك تحتاج إلى مراقبة ذاتية لكل خطوة يخطوها الإنسان نحوها. وسنختار في توسمات هذا العدد مدخل الجمال.
إن هذه القيمة مفهوم مغروس في أعماق كل واحد منا, لكن هناك رؤية صحيحة للجمال، ورؤية انحرفت عن الصحة بسبب عوامل كثيرة. وغني عن القول بأن شرائح كثيرة من أفراد الأمة لم تعد تتذوق روعة الجمال ولذته، بل اعتادت القبح، وأدمنت تداول سلوكياته السيئة، بشكل أصبحت أمورا مسلماً بها، ولا تحتاج إلى مجرد التفكير في مدى صحتها أو مراجعتها. وأقرب مثال يمكن أن نأتي به لتبيين ذلك هو هذه القاذورات التي أصبحت من سمات مدننا وأحيائنا ومداخل منازلنا. فهي قبح تعودناه حتى أنضب إحساسنا الجمالي. فكم من أفراد الأمة الذين يروحون ويغدون على القبح دون أن يُثار فيهم تفعيل سلوكين نادى بهما رسول الله وهما >النظافة من الإيمان< و>إماطة الأذى عن الطريق<؟؟. أليس انحراف مفهوم الجمال وعدم محاولة إيقاظ الحس الجمالي الصحيح في الإنسان السبب في هذا القبح والتشوه؟؟. والأغرب والأمر من هذا هو غياب الوعي بالقيمة الجمالية، لكن دون جعلها إبداعا حياتيا يوميا يؤدي وظيفة السمو والارتقاء في الممارسة والسلوك.
إن القيم والأخلاق حركة داخل النفس يجب أن تفيض على أرض الواقع، وفي الممارسة والسلوك. وما كان من الممكن لعقيدة الإسلام وأخلاقياته وقيمه أن تستقر في نفوس المسلمين دون أن تتألق في واقع الحياة، وتقود إلى النهضة والتقدم. وهو ما تجلى بأبهى صورة في المجتمع الإسلامي الأول بين أصحاب المصطفى ، بينما انحسر في مفاهيم ضيقة منحرفة ونفوس مغلقة وعادات وأعراف اجتماعية، أو قيم هلامية لا أساس لها في واقع الحياة.
د. أم سلمى
umusalma@Islamway.net