{الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربّنا بالحق} اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، بهذا الدعاء كانت ختتم صلاة التراوييح في رمضان كل يوم في مساجدنا، وتلهج الألسنة بالثناء على الرب الكريم الذي وفق للصيام والقيام، وتجأر القلوب إليه بالدعاء الممزوج بالعبرات، سائلة وراجية رحمته ومغفرته وعتقه من النار بعد قبول الصيام والقيام.
تأملت في هذا الدعاء وفي علاقته برمضان خصوصاً، فإذا العلاقة وطيدة، والصلة وثيقة، ونعم الله تعالى على عباده مغدقة.
- ألا ترى إلى الشياطين!! من صفدها لولا رحمة الله بنا؟
- ألا ترى إلى القرآن الكريم!! من وفق للإقبال عليه لولا فضل الله ورحمته؟
- ألا ترى إلى القيام والتهجد في المساجد والبيوت!! من أعاننا عليه لولا محبة الله للعباد؟
- ألا ترى إلى نعم الله كيف يُحَسُّ بها وهي تترى؟
صحة في البدن، وخفة في الروح، واستعداد للخير….
{الحمد لله الذي هدنا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}.
لقد هدانا الله تعالى وملأ بنا بيوته وسمح لنا بالوقوف بين يديه وأذن لنا بتلاوة كتابه وتدبره.
> لقد هدانا الله تعالى ووفقنا للإعراض عن الملاهي والمقاهي والمراقص.
> لقد هدانا الله تعالى ووفقنا لمشاهدة قنوات الخير والدعوة والإصلاح والنقل المباشر للأذان والصلوات، والدروس والمحاضرات والندوات.
> لقد هدانا الله تعالى للطواف على مساجد الأحياء المختلفة بحثا عن مقرئ جيد يسمعنا القرآن وكأنه علينا ينزل.
> لقد هدانا الله تعالى لتعقب ختم القرآن في أكبر عدد ممكن من المساجد رغبة في دمعة تسيل على الخد من خشية الله أثناء الدعاء و التضرع وطمعاً في بركات ختم القرآن.
{وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها}(إبراهيم : 34).
- وفقنا الله تعالىوأعرض عن آخرين حجوا إلى المقاهي يتابعون مباريات الكرة بينما المؤذن ينادي : الله أكبر، حي على الصلاة، حي على الفلاح.
- وفقنا الله تعالى وأعرض عن آخرين عشقوا فريق “البارسا” الذي اتخذ الصليب شعاراً له، وليحمله أبناؤنا وإخواننا وأعمامنا وأخوالنا، فوق صدورهم وعلى ظهورهم ولينتصبوا أمام الشاشات العملاقة في المقاهي ولتختلط أصوات تشجيعهم بتلاوة الإمام في صلاة العشاء والتراويح حتى تفسد على المصلين خشوعهم.
- وفقنا الله تعالى وأعرض عن آخرين سقطوا في شباك المنظمين والمنظمات لسهرات ليالي رمضان الماجنة بالأغاني الساقطة والمسلسلات الفاضحة، والسكيتشات. ورمضان بريئ من هذه الليالي
- وفقنا الله تعالى لصيانة أعراض بناتنا وأولادنا فاصطحبناهم إلى المساجد و دربناهم على الصيام والقيام وأعرض عن آخرين تركوا بناتهم يعافسن الشبان في أيام رمضان على الطرقات وعلى جنبات المدارس والمعاهد والجامعات، بل يزنين علانية كالبهائم في الطرقات.
{وما بكم من نعمة فمن الله}(النحل : 53)
قبل سنوات كنا نصلي التراويح ولا نجد لها طعماً بسبب غياب الجودة في التلاوة أما الآن فاللهم لك الحمد، فقد اكتسح الشباب مساجد البلد فصَدحوا بالقرآن وأسمعوا أمة القران كلام ربهم بأحسن صورة وأعذب صوت وأصبح المسلمون يجدون للصلاة حلاوة، ولسماع القرآن في النفوس رغبة، ولطول الوقوف بين يدي الله راحة.
كلما دخلت مسجداً إلا وتجد شاباً في مقتبل العمر يتقدم المصلين إماما لهم، وما قدمه عليهم إلا ما استدرج من قرآن بين جَنْبَيْه وما حباه الله من صوت حسن وضبط للتلاوة.
- إنها حلاوة القرآن وطلاوته بدأت تسري في عروق الأمة وشرايينها،
- وإنها أمة القرآن بدأت تختار مصدر غذائها،
- وإنهم شباب الأمة أقبلوا على القرآن معين الهدى.
وإنهن نساء الأمة تسابقن مع الرجال على المساجد لسماع القرآن والبكاء على الله والضراعة إليه ليصلح أحوال الأمة.
إنها الأمة قد استيقظت على حقيقة بادية للعيان وهي أن القرآن الكريم هو مصدر عزها وفخرها ومجدها، كما أنها منبع الخير والنور، وأساس كل فضيلة، وسبيل النجاة في الدنيا والآخرة.
إنها النعمة الغامرة والأفضال العميمة تنعم بها وتفضل ربنا الجواد الكريم على عباده. إنها نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم.
أفلا يستحق هذا الإله العظيم وهذا الرب الجواد منا هذا الدعاء؟
بلا، فهو أهل لكل فضل ويستحق أكثر من الدعاء.
إن هذا التوفيق وهذه النعم تستوجب :
الاستمرار على الطاعات خارج رمضان، تستوجب المداومة على الطاعات حتى يعود رمضان في العام القادم إن شاء الله.
فأبشري يا أمة الإسلام، وأبشروا يا مسلمون، وأبشروا يا شباب الدعوة. ولنردد مع الدكتور توفيق الواعي نشيده الذي يحمل الأمل الكبير في عودة المجد التليد والصحوة العظمى لخير أمة أخرجت للناس :
فالفجر الباسم قادم << من قلب الليل الجاثم
وربيع الأمة آت << من بعد شتاء قاتم
الخير الباقي فينا << يكفينا بل يحيينا
مادام الروح طموحاً << والقلب يفيض يقيناً
فاللهم كما وفقتنا للصيام والقيام وكما أنعمت علينا بهذه النعم الجليلة لا تحرمنا القبول واجعلنا من عتقاء هذا الشهر المعظم
اللهم لكم الحمد، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد.
عبد الحميد الرازي
hamid.razi@gmail.com