مولاي! وهل لي في الكون كله مولى سواك؟؟
أرفع إلى سماء عزتك رسالتي هذه، لا باسمي فقط، بل باسم كل عبد يدين بذلّ العبودية لك، وهم اليوم في جنبات الأرض كثير، وإن كانوا قلة بين الكثرة التي شئت أن يكونوا غثاءً كغثاء السيل.
جرّأني على رفعها إليك عودة الشهر الذي جعلته وسيط قبول منك لعود حميد منّا إليك، وشفيع سوء كثير بدر منا تجاهك.. بل عهدي بهذا الشهر أنه كان ولا يزال ميقات تأييد منك لعبادك المستضعفين والمظلومين في جنبات الدنيا. ومع ذلك فإني لم أرفع إليك رسالتي هذه، أستنزل بها الرحمة من لدنك، بحال هؤلاء المستضعفين والمظلومين المنكوبين من عبادك المسلمين لك والمؤمنين بك.. فأنا لا أشك في أنك حفيّ بهم ورحيم بهم، وفي بيانك المنزل ما يكشف عن وجه الحكمة التي فيها كل الرحمة فيما قد قضيت به. ألست أنت القائل: {وَتِلْكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ}.
ولكني رفعت إليك رسالتي يا مولاي لخطب أشد، ولمصيبة أدهى وأطمّ.
إنّ سدنة الإسلام من قادة المسلمين اليوم قد تجردوا من خِلْعَةِ الشرف الذي متعتهم به يوم وكلت إليهم حراسة دينك، وعهدت إليهم بالذود عن حقائقه ومبادئه!
لقد تحولوا من عبادتك إلى عبادة كراسيهم أوعروشهم، واستبدلوا بالذود عن دينك ذودًا تافهًا عن ساعات لهوهم وصناديق ثرواتهم.. فهاهم اليوم، وقد ركبهم الذل وأحاط بهم الهوان، حتى صغروا في كل عين، واتجهت إليهم سهام الهزء والسخرية من كل حدب وصوب.
إنك تعلم يا مولاي أن هذا الهوان الذي يرتدي قادة المسلمين اليوم مِزَقَهُ، هوالذي استخرج العدوان الذي ظل دفينًا في صدور أصحابه الصليبين المتهودين على الإسلام وكتابه، وعلى الإله الذي أنزله، وظلوا يتربصون به غِرَّةً، وينتظرون لإعلانه فرصة.
أجل يا رب! إن هذا الهوان الذي يصطبغ به قادة المسلمين، هوالذي وضع (الصليبية المتهودة) أمام غرتهم المنتظرة، وأنجدها بفرصتها المناسبة، فاستعلنت بالعدوان الدفين، وألبست الإسلام من نسيج حقدها الوحشي عليه قميصًا أسمته “قميص الإرهاب”، ثم إنها جعلت منها دليل التجريم له، وسرعان ما أعلنت في الأوساط كلها حكم القضاء بالموت عليه! فما هوإلا أن تحول القميص الذي نسجه زفير الحقد على الإسلام، تحت سمع العالم وبصره، إلى القميص الذي ينفذ فيه حكم الإعدام!
فتلك هي خلفية التنكيل المتلاحق بالبرآء على أرض فلسطين، وتلك هي خلفية الاحتلال الوحشي الأرعن للعراق، وتلك هي الخلفية الكامنة وراء بسط النفوذ الاستعماري الهمجي على أفغانستان!
مولاي.. إنني لا أندب في رسالتي هذه التي أرفعها إليك ركام القتلى من عبادك المؤمنين المظلومين هنا أوهناك.. ولم أقصد أن أجعل منها لغة جزع عليهم، فأنا أعلم أنك اصطفيتهم شهداء عندك، وتلك هي سنتك الماضية في عبادك، ولكني أرفع رسالتي هذه إليك – وهي ترتفع إلى علياء ربوبيتك من كل عبد مؤمن بك، باق إلى هذه الساعة على العهد – أستنزل فيها النصر لدينك، والحماية لقرآنك، والدفاع عن الحق الذي يراد خنقه.
لقد بلغت القِحَةُ بأعدائك أنهم ألبسوا دينك السمح كسوة الإرهاب، ونعتوا قرآنك بالدعوة إلى سفك الدماء البريئة والخوض فيها، وأطلقوا على قيوم السماوات والأرض، منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اسم “الشيطان”!
أَطْغَتْهُم قوتك التي متعتهم بها، وأسكرتهم نعمك التي أغدقتها عليهم، فهاهم أولاء قد أعلنوا الحرب على ذاتك العلية، يسعون سعيهم اللاهث إلى محوالإسلام من العالم، واجتثاث عقائده ومبادئه من مهاده وأوطانه!
وأنا على يقين- يا مولاي- أنه ليس في ملكك ولا ملكوتك مَن يملك القضاء على دينك الذي أرسلت به الرسل والأنبياء جميعًا، لتظهره على الدين كله.. كيف، وأنت القائل: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ}.
ولكني أعلم أنه لا يتحقق إسلام بدون مسلمين، وإني لأخشى أن يصدق على الكثرة الكاثرة من هذا الزبد الإسلامي الطافي قولك في بيانك المنزل على نبيك المرسل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ}.
إنني أجعل من إقبال شهرك المعظم هذا شفيعًا بين يدي رجائي الذي أتوجه به إليك توجه البائس المسكين الذي ذلت لك عنقه، وفاضت لك عبرته، سائلاً أن تَهَبَ هذا الغثاء الكثير والكبير من المسلمين للقلة المبثوثة فيما بينهم، والتي لا تزال على العهد، تُجاهد في سبيلك، وتبذل النفس والنفيس من أجلك.
إنهم- يا رب- قلة.. ولكن الواحد منهم مضروب بخمسين من أصحاب نبيك المصطفى عليه الصلاة والسلام، لأنهم- كما أكد وأخبر- لا يجدون اليوم على الحق أعوانًا، كما كان أصحابه يجدون، إنهم قلة على أرضك التي كثرت فيها الفتن وانتشر فيها الزيغ.. ولكنهم كثرة في سماء مرضاتك وتوفيقك، وعلى صعيد نصرك وتأييدك.
فاجعل اللهم منهم شفعاء، تصلح بهم حال عبادك المسلمين، وتلهمهم عودًا حميدًا إليك، واجعل اللهم منهم جندًا تنزل عليهم سكينتك، وتؤيدهم بخوارق نصرك، وتقبل دعاءهم الصاعد إليك، على أكفهم المبسوطة إليك بالذل، واستجبه بمنّك وفضلك، عاجلاً غير آجل.
إنهم ليقولون- وإن أعينهم تتطلع إلى سماء كرمك بالذل والانكسار- اللهم يا منزل الكتاب، ويا مجري السحاب، ويا هازم الأحزاب، اهزم الطغاة الذين أعلنوا الحرب على إسلامك وقرآنك. اللهم أهلكهم بِدَدًا، ولا تبق منهم أحدًا، واشف اللهم بذلك صدور قوم مؤمنين.
وأنا- يا مولاي- عبدك المذنب المسرف على نفسه، أقف من ورائهم، داعيًا بدعائهم مؤمِّنًا على رجائهم.
وهذه- يا أحكم الحاكمين- رسالتي أرفعها إليك على الغمام، مع دعاء الثكالى والمظلومين؛ فهل من استجابة عاجلة، يا أرحم من سُئل، ويا أكرم من أعطى؟