أولا: الفوائد الروحية :
أ- الصوم يبني صفة التقوى في وجدان الإنسان :
هذه هي الفائدة الأولى بل هي الغاية الكبرى من الصيام {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}(البقرة : 183). و”لعل” هذه الآية تفيد التحقيق : تحقيق التقوى في النفوس، وتحقيق الارتباط المطلوب بين العبد والمعبود من خلال الإكثار من الصلاة وقراءة القرآن و… إلخ. وبذلك ينمو الوازع الديني الذي يجعلنا نشعر برقابة الله عز وجل. والتقوى إذا استحضرنا معناها الجوهري كانت أساس الحياة ومحور كل الشرائع وسبيل السعادة في الدنيا والآخرة. حيث إن كل تأسيس أو بناء على غير تقواه عز وجل ينهار بصاحبه في نار جهنم {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم واللهلا يهدي القوم الظالمين}(التوبة : 109).
ب- الصوم يعلم ضبط النفس ومجاهدتها :
إن العالم الداخلي في الإنسان مهدد بنوع من الحرب الأهلية بين المادة والروح، بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الحلال والحرام. هذه الحرب لو تركت وشأنها لأفسدت حال الإنسان. ولكن التدخل باستعمال سلاح الصوم يجعل البر بكل أنواعه ينتصر، حيث يوجه أعنف الضربات إلى الشهوات الآثمة وإلى القوى الشريرة. فالصوم يكون بجانب النفس اللوامة ليؤديا معا مهمة تحرير النفس من طاغوت الهوى، وهذه الحقيقة أشار إليها الرسول حينما قال : >يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء..<.
ج- الصوم يرسخ عند المسلم قوة الصبر والإيمان :
أثناء الصوم نعيش الحرمان فنصبر رغم إلحاح النفس، نصبر ونحن نتألم من الجوع والعطش كل ذلك إيمانا منا بحديثه عليه الصلاة والسلام >من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه<.
ثانيا: الفوائد الصحية :
قال عليه الصلاة والسلام >صوموا تصحوا< وقال كذلك : >الصوم جنة..< بمعنى وقاية من الأمراض الجسمية والنفسية. وجاءت الدراسات العلمية المعاصرة لتؤكد بشكل قاطع أن الصوم وقاية وعلاج لصحة الإنسان، حيث ينظف البدن من الفضلات والرواسب وذلك باستفراغ المواد الفاسدة. ويقوي القلب حيث يغديه بمواد نقية. ويطهر الأمعاء ويصلح المعدة بتوقف الإفرازات الحامضية، ويرفع من عدد الكريات الحمر وبذلك يعالج مرض “فقر الدم”. ويعيد للخلايا حيويتها بعد أن يصفي الدم من النفايات التي من شأنها أن تسمم الجسد. وكذلك يخفف من وطأة السمنة التي تسبب أمراضا من بينها الذبحة الصدرية، سرطان الدم، مرض السكر.. ويقوي وظائف العقل والذهن حيث تنمو القدرة على التمييز والإدراك والتفكير لأن البطنة تذهب الفطنة، الصوم كذلك يرفع من درجات الحواس، ويريح الجهاز العصبي من مهمته الشاقة.
وعموما فإن الصيام يجدد حيوية الجسم ونشاطه، وذلك بفضل انتعاش الخلايا والراحة الفزيولوجية لكافة الأعضاء. وصدق من قال : “المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء” وصدق رسول الله حينما قال : >ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، بحَسْب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه<. وقال أحد الكتاب الغربيين في كتابه “الجوع من أجل الصحة” : (لكي يتمتع كل مواطن بالصحة يجب عليه أن يمارس الجوع التام بالامتناع عن الطعام لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أسابيع سنويا بهدف تخليص الجسم من النفايات والمواد السامة) وقوله تعالى : {… وأن تصوموا خير لكم..} يقرر بوضوح أن الصوم خير، ويدع إلى البحث والعلم لإدراك هذا الخير.
ثالثا: الفوائد الاجتماعية :
أ- يعود الأمة الوحدة والاتحاد : وثمة أربعة وسائل أساسية لتحقيق ذلك :
1- الإمساك والإفطار في زمن واحد.
2- وحدة الهدف من خلال التحفيز إلى غاية التقوى.
3- المساعدة الاجتماعية من خلال التحفيز إلى الإحساس بآلام ومعاناة المحتاجين وتجسيد ذلك عبر مواقف عملية كإخراج زكاة الفطر.
4- المواخاة من خلال التحفيز على ربط العلاقات بين الصائمين >من فطر صائما فإن له مثل أجره دون أن ينقص من أجر الصائم شيء< ومن خلال التحفيز على تنمية الأخلاق الاجتماعية كالرحمة والإحسان والإيثار…
ب- يحقق الأمن الاجتماعي : قال : >إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم< هذا الحديث يفيد أن الصائم إنسان عفيف مهذب لا تستفزه المكاره بل يعيش في غبطة روحية بفعل جوارحه المسالمة الهادئة، وبفعل مشاعره الصافية الصادقة، فلا يؤذي أحداً بيد أو بلسان أو بغيبة أو بنميمة ولا يعكر صفواً بضجيج أو بلغو ولا يدنس أخلاقه برفث أو صخب فإن سابه أحد أو قاتله يقول : >إني صائم< ومعناه أن يعيش في جو الأمن والسلام، إنه واحد من عباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.
إن هذه الفوائد كلها، وغيرها كثير هي التي جعلت الرسول يقول : >لو علم الناس ما رمضان لتمنوا أن تكون أيامهم كلها رمضان< والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : لماذا غابت هذه الفوائد؟ لماذا تعطلت الرسالة الرمضانية في صومنا؟ أترك الفرصة للقارئ الكريم ليبحث عن الجواب.