نشأت في بيئة تحرم خروج المرأة سوى مرتين : من بيت أبيها إلى زوجها، وخرجة أخيرة إلى قبرها.. وما بين الخرجتين، كان يسمح لها بالخروج مرة في الأسبوع للاحتطاب وسقي الماء، لأن الرجال يكونون في السوق الأسبوعي!
أنجبت سبع بنات في أوربا، حيث لم أخرج قط إلا للوضع بالمستشفى، أو حين العودة صيفا إلى الوطن..
وذات صيف، بعد عودتنا، جلب زوجي مؤونة، تكفي العام إلى البيت.. لم أجرؤ على سؤاله كالعادة، فذلك عيب في تقاليدنا.. أحكم غلق الباب والنوافذ، أخذ وثائق إقامتي وجواز سفري.. أخبرني، أني سأمكث في البيت مع بناتي، وأنه لن يعود إلا الصيف المقبل.. وكالعادة، لم أناقشه قط!
عشت وبناتي في بيت كالسجن، لا نرى الشمس ولا السماء، الباب والنوافذ مغلقة علينا من الخا رج.. معزولات عن العالم، فلا مذياع ولا تلفاز ولا هاتف.. وقد تعودت ذلك في الخارج إلا أني أحسست بوطأة الظلم، خاصة على بناتي، فكنت أحاول التخفيف عنهن، ومناجاة الله عز وجل…
عاد زوجي قبيل عطلته السنوية.. يعتذر -لأول مرة في حياته- ويأمرني بالتهيؤ للعودة ثانية إلى الخارج..
وفي الطريق استجمعت كل قواي لأسأله عما يجري.. أخبرني أنه كان قد ضاق بي ذرعا، لأني لم أنجب سوى البنات.. وأنه قد تزوج علي، لكن الله عز وجل قضى إلا أن يرزقه ثلاث بنات توأم من زوجته الثانية، وأن السلطات هناك لا تسمح بالتعدد، وبالتالي لم تسمح لزوجه الثانية بالإقامة، وأن واعظا ذكره بحرمة الظلم، وبوصية نبي الرحمة بالمرأة، وبالجنة للأب الذي يرزق البنات ويحسن تربيتهن…!
ندم زوجي وتاب، معتبراً بناته نعمة من الله عز وجل…!
بعد العودة، قررت الخروج.. نعم، الخروج لأتعلم وأتفقه في ديني، لأعرف كيف أربي بناتي هناك، وكيف أمارس حقوقي التي منحني إياها الإسلام… بعد أن أدركت التناقض بين التقاليد والدين… وأن العلم فريضة على المسلم رجلا وامرأة.. وأن النساء شقائق الرجال..!