عذراً أخي… هل قلبك سليم؟ سؤال ربما غيب عن أذهاننا فلم نُعِر له اهتماماً بل نولي أظهرنا عن الإجابة عنه. رجاءً زِن قلبك بميزان الحق، ضعه في كفة الأخلاق الكريمة واحكم عليه بما تريد. قلبك بين جنبيك ولا تدر عنه شيئاً. سمي القلب قلباً لأنه ينقلب من حال إلى حال. يقول بعضهم : وما سمي القلب إلا لتقلبه. فاحذر على القلب من قلب وتحويل. فالقلب واحدٌ، لكنه يتعدد بتعدد أو صافه فمن القلب المطمئن والقاسي والمريض… إلى القلب السليم. وما أجمل أن يكون قلب المرء سليماً. فليس سليماً من الأمراض الحسية فذاك شأن آخر. ولكن سليماً من الأمراض المعنوية من الغش والغل والحقد والكراهية والنفاق… الخ. ذكر القلب السليم في القرآن في موضعين : {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}(الشعراء : 89) و{إن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم}(الصافات : 84). وفُسِّر القلب السليم بأنه القلب النقي الطاهر السليم من الشرك والنفاق. والحسد والبغضاء، “فالقلب السليم هو السالم من الآفات والمكروهات كلها. وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله وخشيته وخشية ما يباعد منه”(جامع العلوم والحكم ص 99) وإنما يحصل صلاحه بسلامته من الأمراض الباطنة كالغل والحقد والحسد والشح والبخل والكبر والسخرية والرياء والسمعة والمكر والحرص والطمع وعدم الرضى بالمقدور. وأمراض القلب كثيرة تبلغ نحو الأربعين، عافانا الله منها وجعلنا ممن يأتيه بقلب سليم”النووي شرح متن الأربعين النووية”.
وعن صلاح القلب أو فساده جاء في الحديث… ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه وإذا فسدت فسدت الجسد كُله ألا وهي القلب<(رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما) ففي صلاح القلب صلاح الجسد، ويأتي صلاح القلب من سلامته من كل الأدران والآفات والأمراض المُشِينَة. ولقيمة القلب السليم كان النبي يقول في دعائه : اللهم إني أسألك قلباً سليماً، يقول الغزالي في منهاج العابد” القلب أمر الكل، إن أفسدته فسد الكلّ. وإن أصلحته صلح الكل، إذ هو الشجرة، وسائر الأعضاء أغصان، ومن الشجرة تشرب الأغصان وتصلح وتفسد…ص 131< وعرفه تعريفاً كاملاً الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه “مفتاح دار السعادة” الجزء الأول ص 41 فصل في تعريف القلب السليم الذي ينجو من عذاب الله. قال رحمه الله : والقلب السليم الذي ينجو من عذاب الله هو القلب الذي قد سلم من هذا وهذا -يشير إلى سلامة القلب من الخوض بالباطل وما يتبعه من التكذيب بيوم الدين. وإلى سلامته من إيثار الشهوات وما يستلزمه من ترك الصلوات وإطعام ذوي الحاجات- فهو القلب الذي قد سلم لربه وسلم لأمره ولم تبق فيه منازعة لأمره. ولا معارضة لخبره، فهو سليم مما سوى الله وأمره، لا يريد إلا الله ولا يفعل إلا ما أمره الله، فالله وحده غايته، وأمره وشرعه وسيلته وطريقته. لا تعتريه شبهة تحول بينه وبين تصديق خبره. لكن لا تمر عليه إلا وهي مجتازة تعلم أنه لا قرار لها فيه ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه. ومتى كان القلب كذلك فهو سليم من الشرك وسليم من البدع. وسليم من الغي، وسليم من الباطل، وكل الأقوال التي قيلت في تفسيره فذلك يتخمنه. وحقِيقَتُه أنه القلب الذي قد سلم لعبودية ربه، حياءً وخوفاً وطمعاً ورجاءً. ففَنِيَ بحُبِّه عن حب ما سواه، وبخوفه عن خوف ما سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، وسلم لأمره ولرسوله تصديقاً وطاعةً.. فرحم الله ابن قيم الجوزية الذي سلم قلبه فسلم خطه، وسلمت كتاباته فجزاه الله على ما خطه خيراً، وماذا بقي ليراعي إن تخط بعد هذا التعريف الكامل؟
فالقلب السليم هو المخلص لله رب العالمين، المخلص له في طاعته وعبادته، هو القلب الصافي الذي لا شية فيه، صافي صفاء اللبن لا تشوبه شائبة، قال إبراهيم بن أدهم : قلب المؤمن نقي كالمرآة فلا يأتيه الشيطان بشيء إلا أبصره، فإذا أذنب ذنباً واحداً ألقى الله في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب الله عليه محيت. فإن عاد إلى المعصية ولم يتب تتابعت النكت حتى يسوَدّ قلبه. فما أقل ما تنفع فيه الموعظة، قال تعالى : {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}(المطففين : 14).
يروى أن لقمان الحكيم كان عبداً حبشياً فدفع إليه مولاه شاة وقال له : إذبحها واتني بأطيب مضغتين منها، فأتى باللسان والقلب، ثم دفع إليه شاة أخرى، وقال : اذبحها واتني بأخبث مضغتين منها، فأتى باللسان والقلب، فسأله عن ذلك؟ فقال :
ما أطيب منهما إذا طابا
ولا أخبث منهما إذا خبثا