تدل أحداث الساعة على الساحة العربية والإسلامية أن شرائح معينة من العرب أقصر الناس ذاكرة في هذا الزمان، فَلاَهم من التاريخ يعتبرون، ولا الواقعَ يفقهون، ولا الأحداث يتدّبرون. همهم إقصاء مخالفيهم وإبعادهم، ولا يتردّدون في استئصال شأفتهم من على وجه الأرض إن أمكنهم ذلك.
ما حدث في أرض فلسطين في الأيام الأخيرة يدل دلالة واضحة على أن هذه الشرائح تعمل بجد ونشاط منقطعي النظير من أجل القضاء على المقاومة الشريفة في أرض الإسراء والمعراج، وتتدرج في تطبيق مخطط رهيب.
ما حدث في أرض فلسطين في الأيام الأخيرة يدمي القلب، فلم يكن أحد يتوقع أن تنبثق شريحة من حركة محسوبة على المقاومة لتأخذ على عاتقها “تطهير” الأرض المقدسة من المقاومين الشرفاء؛ أي أن تقوم بما عجزت عنه إسرائيل منذ مدة. والعجيب كل العجب أن تظهر هذه الشريحة، بعد أن انكشف عنها الغطاء، بمظهر المدافع عن الشرعية والتباكي على غزة، التي أصبحت في يد “الظلاميين” و”التكفيريين”.
وأعجب من هذا أن تجد هذه الشريحة من يَتَبَاكَى معها، من حماة الديموقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان، على المستوى الإقليمي والدولي، ويهب لمساندتها والدفاع عنها، وعن الديموقراطية الوليدة الناشئة “الطارئة”، فأعلنوا عن فكِّ الحصار، وفتح المفاوضات، وإيصال الإمدادات من وراء البحار، لكن بشرط أن تبقى هذه الإمدادات مقتصرة على أرباب الديموقراطية “الطارئة” أمّا عموم الشعب وأما أصحاب الديموقراطية الشعبية الحقيقة، وأما المقاومة الشريفة وزعماؤها وقادتها فليذهبوا إلى الجحيم. وليشتد عليهم الحصار وليذوقوا الهوان، أو أن يركعوا ويخنعوا ويغازلوا ويدغدغوا، ويبيعوا كرامتهم وإخلاصهم، ثم بعد ذلك يعلنوا توبتهم واعتذارهم.
هكذا كلما تعلق الأمر بحزب أو جماعة رفعت شعار الإسلام، أو أعلنت أن مرجعيتها الإسلام، ودخلت بهذه المرجعية المعترك السياسي أو حتى الأنشطة الاجتماعية، إلا وجدت لها بالمرصاد من يصفها بالأوصاف المشهورة المتداولة “ظلامية” “رجعية” “تكفيرية” إلى غير غير ذلك من الصفات المستهلكة، حتى ولو كان معظم الشعب معها، وقدّمها وانتخب عليها وصوَّت على مشروعها.
وإذا كان ما حدث على أرض فلسطين يدمي القلب كما قلنا، فإن قصور ذاكرة بني قومنا يعمق المأساة أكثر، وإلا فإنّ ما كتبته العديد من الصحف العالمية، قبل الأحداث وأثناءها، ينبئ بشكل واضح عن مخطط رهيب لتصفية قادة المقا ومة الشريفة، وإن لم ينتبه بنو قومنا لهذه المخاطر فإن ما حققته المقاومة خلال عقود من الزمن ربما يندثر في أشهر معدودة.
د. عبد الرحيم بلحاج