إن أمانة التاجر أكبر من أن تخص بعمود في جريدة، فهي قضية مركزية ينبغي أن تنال حظها من الاهتمام الكافي، على مستوى الفهم: ماذا يقصد بأمانة التاجر، وعلى مستوى الخلق: كيف يصير هذا الفهم خلقا؛ خصوصا إذا علمنا حجم الدمار الذي لحقها، فلم يعد هناك مجال لخلق حسن بين أغلب التجار، وبينهم وبين عملائهم. فأخلاق الجهالة هي السائدة، فلا ثقة ولا نصح ولا إتقان ولا وفاء ولا صدق بل ضلال في ضلال نسأل الله العفو والعافية.
وهذه الكلمة تتحدث عن بعض ما يلزم التاجر في معاملاته التجارية، وقد اقتصرت الكلام على أربعة نقط اعتبرتها مستلزمات أمانة التاجر.
- النقطة الأولى: تحري الحلال
إن هذا الأمر صعب جدا، ولا يستقيم إلا لمن وفقه الله، فطاحونة الواقع تحتاج إلى ثبات في وجه العواصف والمغريات والمختلطات والشبهات يقول الله تعالى: {قل هل يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون}، وتحرٍ في المستجدات التي تحتاج إلى جواب شرعي واضح مؤسس، يقول الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}، فالنفوس ميالة لحب الكثرة مع إغفال أو غفلة عن طبيعتها، هل هي من الخبائث أم من الطيبات يقول الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}.
- النقطة الثانية : النصح
إن هذا الخلق كاد يخبو، فلا تكاد تسمع من الناس في هذا الباب إلا قصص التدليس والاحتيال والغش، فالحديث عن تاجر ناصح بات من نوادر الواقع. فغياب النصح عن أخلاق التاجر إنما هو غش لأمانته، والرسول أبعد الغشاشين عن دائرته فقال : >من غش فليس منا<. وإن مما يشترط في العقود الصحيحة للتاجر: الرضا وتحريم الغش والغبن.
- النقطة الثالثة : الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد
يقول الله سبحانه وتعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)}ويقول الله سبحانه وتعالى أيضا: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}، وعن أبي هريرة ] أن رسول الله قال: >آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا واعد أخلف وإذا ائتمن خان<.
- النقطة الرابعة : الصدق
فالصدق كسابقيه من الأخلاق يحتاج إلى مجاهدة للنفس ليصير واقعا في حياة التجار فالذي يصدق في هذا الواقع قد يعاني بصدقه ولكن فليصبر فإن البقاء للأصلح وسوف يجد بعد ذلك حلاوة هذا الصدق، يقول الله سبحانه وتعالى: {فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم}. وفي كونه شرطا من شروط صحة عقد التاجر، يقول الرسول : >البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فأن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما<(متفق عليه).
هذه أربعة ركائز لا تقوم أمانة التاجر بدونها فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يباعد بيننا وبين سيئ الأخلاق كما باعد بين السماء والأرض إنه أهل ذلك والقادر عليه.