الجن في اللغة : كلمة الجن مأخوذة من جن الشيء ستره، وكل شيء ستر عنك فقد جن عنك، وجن عليه الليل أي ستره بظلامه، والجنين هو الطفل في بطن أمه، كأنه مستور عن الرؤية، والجنان هو القلب الذي يستتر، فلا يراه أحد، والجنون هو ستر العقل أي ذهب عقله واختفى. والجن هو نوع من العوالم التي خلقها الله، سموا بذلك لاجتنابهم أي اختفائهم عن الأبصار. >لسان العرب< : لذلك نحن لا نراهم، {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}(الأعراف : 27).
الجن كما جاء في القرآن الكريم :
وقد وردت كلمة الجن في القرآن الكريم في اثنين وعشرين آية، ووردت كلمة الجان في سبعة مواضيع، ووردت كلمة عفريت من الجن مرة واحدة. فلننظر إلى كتاب الله لنتعرف على خبايا هذا العالم المجهول.
< خلق الجن : أوضح لنا المولى عز وجل كيفية خلقتهم في قوله {والجان خلقناه من قبل من نار السموم}.
< طبيعة الجن : الجن من طبيعته الاهتزاز والتذبذب، وقد وصف المولى سيدنا موسى عندما رأى عصاه تحولت الى ثعبان أنه ابتعد عنها. {فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب}.
< إبليس من الجن : {فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه}(الكهف :50)، وفي تفسير هذه الآية قال المسعودي : لقد أسكن الله الجن الأرض قبل خلق آدم، وفيهم إبليس ونهاهم عن أن يسفكوا الدماء أو يظهروا المعصية بينهم فسفكوا وعَدَا بعضُهم على بعض، فلما رآهم إبليس لا يقلعون عن ذلك سأل الله تعالى أن يرفعه إلى السماء، فصار مع الملائكة يعبد الله أشد العبادة. وحارب إبليس الجِن مع الملائكة، فطردهم إلى جزر البحار و قتلوا منهم الكثير، وجعله الله على سماء الدنيا خازنا، فوقع في صدره الكبر والتعالي، واشتد حقده وحسده حين خلق الله آدم، وجعله خليفة في الأرض، >مروج الذهب لملسعودي<.
< العداوة بين الانس والجن : عندما طلب المولى من إبليس اللعين أن يسجد لآدم ماذا حدث؟ قال إبليس للمولى {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} وتحت هذا الاعتراض معنى، أخبرني يا رب لم كرمته عليّ وأنّ الذي فعلته ليس بحكمة ولا صواب (حاشا لله) وأن الحكمة كانت تقتضي أن يسجد هو لي لأني أفضل منه، ثم قرر بعد ذلك أنه خير من الإنسان ولذلك، فلن يسجد، ومن هنا بدت العداوة والبغضاء بين بني الإنسان وأبناء إبليس الكفرة.
< هدف خلق الإنس والجن : خلقهم المولى لكي يعبدوه {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون}.
< الاستعانة بالجن تزيد الإنسان تعبا ورهقا : يتعرض الإنسان لمشاكل عديدة في حياته، فكان بعض الإنس يلجؤون للجن، فزادهم تعبا وإرهاقا {وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا}.
< الجن لا يعلم الغيب : وقد أعلن ذلك المولى عز وجل في كتابه حين ظلت الجن في عملهم كخدم عند سليمان حتى بعد موته {فلما حَرَّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}.
< هناك جن مؤمن وآخر كافر : {وإنا منا المسلمون ومنا القاسطون} {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}.
< هناك قانون يحكم الإنس والجن، ولا يمكن أن نتعداه إلا بسلطان، وطبقا لنواميس الله، {يا معشر الجن والإنسن إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}(الرحمان : 33) وعلى ذلك فإن الجن محكوم بقوانين وسنن، لا تتبدل ولا تتغير، وعلينا البحث عنها، ومن هذه النواميس أنهم لا يفتحون بابا مغلقا، أو إناء مُغطى، وأنهم ينتشرون عند الغروب، قال : >إذا جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً، واطفئوا مصابيحكم<(رواه البخاري)، وفي رواية مسلم : >فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح بابا ولا يكشف إناء< ومن هذه القوانين أن الجن إذا تشكل خضع لقانون الشكل الذي تحول إليه، فإذا تشكل بإنسان يخضع لكل النواميس التي يخضع لها الإنسان فيمكن مثلا حبسه، ويمكن قتله، ويمكن إيذاؤه بكل ما يؤذي الإنسان، وقد تشكل الجن لأبي هريرة من قبل وأمسك به لثلاث مرات إلا أنه أخلى سبيله لما علمه أن آية الكرسي تحميه من الجن، (صدقك وهو كذوب). وكذلك روت كتب السيرة أن الرسول أمسك بعفريت من الجن، وأراد ربطه في سارية المسجد لولا أن تفكر دعاء أخيه سليمان : {رب هب لي ملكا لا ينبغي كأحد من بعدي}.
< استمتاع الإنس بالجن : قال تعالى : {ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن والإنس قد استكثرتم من الإنس، وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا.. عليهم} قال ابن عباس ومجاهد، والحسن. وغيرهم.. أضللتم منهم كثيراً، فيجيبه سبحانه أولياؤهم من الإنس بقولهم : {ربنا استمتع بعضنا ببعض} يعنون استمتاع كل نوع بالنوع الآخر. فاستمتاع الجن بالانس طاعتهم فيما يأمرونهم به من الكفر، والفسوق والعصيان، فإن هذا أكثر أغراض الجن من الإنس فإذا أطاعوهم فيه فقد أعطوهم ما يتمنونه، واستمتاع الإنس بالجن أنهم أعانوهم على معصية الله تعالى، والشرك به بكل ما يقدرون عليه، من التحسيس والتزيين، والدعاء، وقضاء كثير من حوائجهم، واستخدامهم في السحر والعزائم وغيرها، فأطاعهم الإنس فيما يرضيهم من الشرك والفواحش، والفجور، وأطاعتهم الجن فيما يرضيهم من التأثيرات والأخبار ببعض المغيبات، فتمتع كل من الفريقين بالآخر، وهذه الآية منطبقة على أصحاب الأحوال الشيطانية الذين لهم كشوف شيطانية، وتأثير شيطاني، فيحسبهم الجاهل أولياء الرحمن، وإنما هي شطحات المارقين، وترهات المتصوفين.
والاستمتاع التوسع والانتفاع، والمعنى أن كل واحد من شياطن الإنس والجن انتفع بخدمة الآخر، وبلغ غايته وأمنيته.
والبصير الذي نور الله بصيرته بنور الإيمان والمعرفة إذا عرف حقيقة ما عليه أكثر هذا الخلق، وكان ناقدا لا يروج عليه كيدهم تبين له أنهم داخلون تحت حكم هذه الآية، وهي منطبقة عليهم. ومن لم يحط علما بهذا لم يعلم حقيقة الإيمان والشرك، وسر امتحان الرب سبحانه كلا من الثقلين بالآخر. ثم قالوا {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} وكأن هذا -والله أعلم- إشارة منهم إلى نوع استعطاف وتوبة، فكأنهم يقولون : هذا أمر قد كان إلى وقت، وانقطع بانقطاع أجله، فلم يستمر ولم يدم، فبلغ الأمر الذي كان أجله، وانتهى إلى غايته، ولكل شيء آخر، فقال تعالى : {النار مثواكم خالدين فيها} فإنه وإن انقطع زمن التمتع وانقضى أجله فقد بقي زمن العقوبة، فلا يتوهم أنه إذا انقضى زمن الكفر والشرك، وتمتع بعضكم ببعض أن مفسدته زالت بزواله، وانتهت بانتهائه. والمقصود أن الشيطان تلاعب بالمشركين حتى عبدوه، واتخذوه وذريته أولياء من دون الله.
< كيف يأتي الشيطان للإنسان؟ : أوضح المولى عز وجل في كتابه، أن إبليس قال للمولى {فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}(الأعراف : 15- 16) قال ابن عباس: صراطك المستقيم أي دينك الواضح، وفسر قوله {من بين أيديهم} أي من عند الدنيا {ومن خلفهم} أي أرغبهم في دنياهم وأشككم في الآخرة.. {وعن أيمانهم} أي أثقل عليهم الحسنات {وعن شمائلهم} أي أمرهم بالسيئات، وقال قتادة : أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل جهة غير أنه لم يأتك من فوقك، فلم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله.
< خطوات الشيطان : أول ما بدأ الشيطان مع الإنسان بدأ معه بالوسوسة {فوسوس لهما الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى..} (الأعراف : 19) ونتيجة الوسوسة أن يقع الإنسان في الخطإ والزلل، {فأزلهما الشيطان..}و بكثرة الوسوسة يستولي الشيطان على الإنسان، فينفّذ سيطرته على نفسه، فلا يستطيع التمييز بين ما يضره وما ينفعه، وهناك سبل عديدة اتّبَعَها الشيطان مع الإنسان، أوضحها القرآن كما سيأتي:
> التزيين : {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم، وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم}(الأنفال : 48).
> الوعد : {يعدهم ويمنيهم… } ولن يفي بوعده {ووعدتكم فأخلفتكم..}
> الترهيب : {إنما ذلكم الشيطان يُخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}(آل عمران : 175).
> الاتباع : {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد}(الحج : 3).
> التحريك : {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً}(مريم : 83).
> النزغ : >إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا}(الإسراء : 53).
> الولاء : {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}(الأعراف : 30).
> الوقيعة : {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء…}(المائدة : 31).
< وما هي نتائج من يتبع الشيطان؟
>الخذل : {وكان الشيطان للإنسان خذولا}(الشيطان : 29).
> الاستحواذ : {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله}(المجادلة : 19).
> النسيان : {وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}(الأنعام : 68).
> الإزلال : {إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا}(آل عمران : 155).
> الاستهواء : {كالذي استهوته الشياطين فهو في الأرض حيران}(الأنعام : 171).
> القرين : {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له قرينا..}(الزخرف : 36).