لقد استطاع “الأدب الإسلامي” أن يفرض نفسَه في المشهد الثقافي العربي المعاصر، بفضل مجهودات كثيرٍ من أقطابه مبدعين ونقاداً. فظهرت منابر صِحافية متميزة حملت على غاربها وِزْر النهوض والتعريف بهذا الأدب على أوسع نطاقٍ، وبنيت مؤسساتٌ تسعى إلى تحقيق المقْصد نفسِه، بل إن الأدب الإسلامي ،كمادة تدريسية، ولج رحاب الجامعة في عدد من الأقطار العربية في الأعوام الأخيرة… بيد أن ثمة جملةَ إشكالات ما زالت مطروحة في طريق هذا الأدب؛ منها إشكالية تحديد ماهيته، وإشكالية تسمية مفهومه… وتعْرض الأسطر اللاّحقة بعضاً من هذه الإشكالات بتركيز شديدٍ، مشفوعةً بوِجهات نظرٍ حولها.
إن إعطاء تعريف جامع مانع ” للأدب الإسلامي” ليس بالأمر الهيِّن كما يتوهم بعضُهم. والذي يتصفح الكتابات النقدية ويستقري الأبحاث الأدبية المنجَزة حول الأدب الإسلامي تنظيرا وتحليلا، يُلْفي -بلا شك- زخَماً من التعريفات (Définitions) التي تحاول تحديد ماهية الأدب الإسلامي(1).
ولكن عندما نباشر هذه التعاريفَ بالدراسة والتحليل والمناقشة، فإنَّا نقف فيها nأوفي أكثرها- على فجوات ومواطن قصور.
يعرّف الدكتور عماد الدين خليل الأدب الإسلامي بأنه “تعبير جمالي مؤثِّر بالكلمة عن التصور الإسلامي للوجود”(2).
وتعرفه “رابطة الأدب الإسلامي العالمية” بأنه “التعبير الفني الهادف عن الحياة والكون والإنسان وفق التصور الإسلامي(3).
ومن خلال استقراء مختلِف التعاريف السابقة ومناقشتها، يمكن أن أقول إن الشعر الإسلامي خطاب حالي يعبّر بالكلمة الجادّة الملتزِمة عن مختلف مناحي الوجود بحسب ما تمْليه الرؤيا الإسلامية، وذلك بغية الإقناع والتأثير في الملتقي.
وعليه، فالشعر الإسلامي ينبني على أربعة أركان رئيسة، وهي:التوسُّل بالشكل الجمالي، والتعبير عن مظاهر الوجود المختلفة من حياة وإنسان وكون، واعتماد التصور الإسلامي باعتباره مرجعية أساسية، وأخيرا السعي إلى تحقيق هدف وإحداث أثر في المتلقي.
ترتبط بقضية تعريف الأدب الإسلامي إشكاليةٌ أخرى، تتعلق “بالتسمية”. فالملاحَظ أن الدارسين والناقدين يستعملون جملةً من الدوالّ/المصطلحات لوسْم هذا الأدب؛ من مثل: الأدب الصالح، الأدب الإنساني، الأدب الملتزم، أدب الدعوة، الأدب الخُلُقي، الأدب الإسلامي إلخ. ونحن نرجّح -من بين هذه الدوال- مصطلح “الأدب الإسلامي” لدقته وخصوصيته. وهوالمصطلح الذي تبنّته “رابطة الأدب الإسلامي العالمية”.
وهناك إشكالية أخرى ينبغي تسليط الأضواء عليها، وهي “إشكالية القائل والمَقُول وصفة الإسلامية”. بأسلوب آخر: هل نحكم بإسلامية النص الأدبي انطلاقاً من المعطى الإبداعي نفسِه/ المنجَز أم انطلاقا من صاحب النص/المنجِز؟
لقد انقسم الدارسون في الإجابة عن هذا السؤال إلى ثلاث طوائف:
أ-ركزت طائفة من الباحثين على النص بصفته إبداعا فنيا يتجسد فيه الأنا ببعديْه الفردي والجمعي. ومن هؤلاء نذكر محمد قطب الذي عدَّ الشعر الذي أنتجه غيرُ المسلمين ويلتقي بالتصور الإسلامي شعرا إسلاميا.
وعملاً بهذا الاعتقاد، درس الباحث أدب الشاعر الهندي البوذي طاغور باعتباره أنموذجا للأدب الإسلامي. وقد سار على المَهْيَع نفسِه الدكتور عماد الدين خليل الذي درس في كتابه “في النقد الإسلامي المعاصر” مسرحية لكاتب إسباني باعتبارها تمثل نموذجا للأدب الإسلامي.
ب-وفي العَدْوة المقابِلة، نجد دارسين يحكمون بإسلامية النص انطلاقا من صاحبه/مبدِعه، ومن بينهم المرحوم نجيب الكيلاني، وعبد القدوس أبوصالح الذي يرى أن من شروط تحقق الإسلامية في النص الشعري أن يكون قائلُه مسلماً.
ج-أما الطائفة الثالثة فقد تبنت موقفا توفيقياً، بحيث نادتْ بضرورة إسلامية القائل والمَقول معاً حتى تتحقق صفة “الإسلامية” على أكمل وجْه. ومن أصحاب هذه النظرية نجد الباحث المغربي الدكتور محمد بن عزوز الذي يقول: “لابد من توافُر الإسلامية في النص والمبدع أيضا”(4).
والحق أن الحكم بإسلامية نص من النصوص ينبغي أن يكون مبْنياً على دعامتيْن رئيستين مترابطتين ارتباطا عضْوياً، هما: إسلامية القائل، وإسلامية المَقُول. إذ لا يمكن الحديث عن الإسلامية في نصٍّ يفتقر محتواه إلى التصور الإسلامي المستمَد من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وإن كان قائله مسلما يرتاد المساجد ويمارس الطقوس التعبُّدية من صيام وزكاة وغيرهما.
كما أنه لا مجال للحديث عن الإسلامية في نص توافق مضامينُه الرؤيا الإسلامية، وصاحبه يهودي أونصراني أوبوذي.
بل لابد في نظري- من تحقق شرط “الإسلامية” في القائل والمقول معاً حتى يكتسب النص صبغة إيمانية أبْقى، ونكهة جمالية أبْهى.
فريد أمعضشـــو
farid@yahoo.fr.amaadachou
——————-
1 – يمكن الرجوع إلى تعاريف الأخويْن قطب، نجيب الكيلاني، عماد الدين خليل، محمد حسن بريغش رحمه الله تعالى.
2 – د. عماد الدين خليل: مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي، مؤسسة الرسالة (بيروت)، ط.1 (1987)، ص: 69.
3 – مجلة “الأدب الإسلامي”، مج6، ع22، 1420هـ، ص: 26.
4 – مجلة “الأدب الإسلامي”، مج 4، ع 15، مايو- يونيو- يوليوز 1997، ص: 26.