لم يأت قرار وزراء خارجية الدول العربية بفك الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، والذي تشارك فيه عدد من الأنظمة العربية الموالية لواشنطن، إلا حفظاً لماء وجه النظام العربي الرسمي، ومواكبة للتوجهات الدولية تجاه القضية الفلسطينية، وذلك بعد فشل محاولات المجتمع الدولي في كسر إرادة الشعب الفلسطيني عن طريق فرض حصار ظالم عليه.
ونتيجة عن هذا القرار، بدا الأمين العام لجامعة الدول العربية، الدكتور عمر موسى، للكثيرين وكأنه تمكن من اتخاذ موقف بطولي نادر رداً على الفيتو الأمريكي، الذي منع صدور قرار يدين الاحتلال الصهيوني على المجزرة البشعة التي ارتكبها مؤخراً في بيت حانون ضد المواطنين، وذلك باتخاذ قرار بفك الحصار عن الشعب الفلسطيني، وكأن عمر موسى يقول للجماهير العربية إن الفيتو الأمريكي هو الشعرة الأمريكية التي قصمت ظهرالبعير العربي، وأنه حان الوقت لكسر الصمت وخروج الأنظمة العربية من مجال الاستقطاب الأمريكي.
وبدا وزراء خارجية الدول العربية، نتيجة عن هذا القرار وكأنهم قد غشيتهم الرحمة بشعوبهم، وتنزلت عليهم النخوة العربية والمشاعر الإنسانية الفياضة، وحلت بهم شجاعة هوغو تشافيز، وأتتهم جرأة أحمدي نجاد…!!
إنه لمن المستبعد جداً أن يكون الضمير العربي الرسمي قد استيقظ، بعد أن انفصل عن القيم الإنسانية والعربية والإسلامية، وعادى الشعوب العربية، وعقد تحالفات مفتوحة مع أعدائها، بل يجب أن لا يساور أحداً الشك في أن الضمير العربي الرسمي قد مات منذ زمن بعيد، وشبع موتاً، وأصبح لا يرجى بعثه إلى الحياة من جديد.
فمن السذاجة أن يظن البعض أن النظام العربي الرسمي قد امتلكته الشجاعة والنخوة والحمية ليتحدى قرارات الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي الذي تستمد منه أنظمة الحكم العربية شرعيتها الزائفة وقوته الباطلة ولا تستطيع إلا أن تسير في الفلك الأمريكي وتنجرف وراء رغباته ومآربه ضد الشعوب العربية والإسلامية، بل إن القمم العربية لا يمكن لها أن تُعقد إلا بموافقة أمريكية ولا يمكن لها أن تخرج إلا بقرارات يحددها البيت الأبيض الأمريكي ويضع صياغتها.
فأين كانت هذه النخوة العربية الرسمية قبل عدة أشهر، عندما واجه المجتمع الدولي الشعب الفلسطيني الأعزل وحكومته الشرعية بوحشية وقسوة، وفرض عليه عقوبات جماعية، دون أي ذنب اقترفه، وفقط بسبب رفضه الانصياع لإملاءات اللجنة الرباعية الداعمة للاحتلال الصهيوني والقاضية بكسر إرادة الشعب الفلسطيني وإجباره على التنازل عن حقوقه الشرعية؟!!
وأين كانت هذه النخوة من الحصار الظالم الذي فرضه المجتمع الدولي على الشعب العراقي، والذي نفذه النظام العربي الرسمي وشارك فيه، لأكثر من ثلاث عشرة سنة وأدى إلى هلاك مئات الآلاف من الأطفال العراقيين مرضاً وجوعاً، بل أين هذه النخوة من الاحتلال الأنغلوأمريكي للعراق وما صاحبه من تدمير منظم ومنهجي للحضارة العراقية ومحاولة تقسيم العراق على أساس عرقي وطائفي، بل أين صحوة الضمير العربي الرسمي والشعبي من حرب الإبادة الجماعية ضد العرب السنة بتدبير أمريكي وبريطاني وبأيد غادرة ترعاها حكومة المالكي العميلة ؟!
ورغم أن قرار وزراء الخارجية بفك الحصار هو محاولة لذر الرماد في عيون الشعوب العربية، ومحاولة لتحسين الصورة البشعة للأنظمة الحاكمة الموالية لواشنطن، والمشاركة في الحصار والتآمر على الشعب الفلسطيني وحكومته، إلا أن هذا القرار ينطوي على إقرار من تلك الأنظمة بمشاركتها في إحكام الحصار الخانق على الفلسطينيين، كما أنه يتضمن إقراراً من جامعة الدول العربية وأمينها العام بالتخاذل ولزوم الصمت، طيلة الأشهر التي تلت فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخاباتالتشريعية الفلسطينية الأخيرة، على إجراءات المجتمع الدولي المعادية لحقوق شعبنا وآماله وطموحاته.
إن النظام العربي الرسمي لا يُرجى شفاؤه من الاستبداد، والفساد، والتخاذل، والعجز، والتواطؤ مع النظام الأمريكي المعادي لشعوبنا العربية والإسلامية والذي يسعى إلى فرض هيمنته على منطقتنا وإقامة إمبراطوريته الشريرة على أنقاض أمتنا، وذلك بعد أن يُمكن للكيان الصهيوني في المنطقة ويوظفه في مقاومة ما اعتادت الإدارة الأمريكية على تسميته “الإرهاب الإسلامي”، وبعد أن يروض الشعوب العربية والإسلامية ويهيئها لتتعايش مع هذا الكيان الغاصب وتطبع العلاقات معه.
> المركز الفلسطيني للاعلام
محمد اسحق الريفي