الناظر في كتاب الله تعالى، والقارئ له، يجد العدد الكثير من الآيات التي تحث على معاملة اليتامى معاملة حسنة، وعلى رأس هذه الآيات، خطاب الله تعالى لنبيه محمد ، وخطاب النبي كما هو معلوم خطاب لأمته. قال تعالى : {فأما اليتيم فلا تقهر}(الضحى : 9).
واليتيم من فقد أباه قبل أن يبلغ الحلم، وبفقده لأبيه فقد الحنان والعطف والرعاية والحماية، في وقت هو في أمس الحاجة لذلك كله. والقرآن الكريم نزل ليرسم للناس طريق بناء مجتمع العزة والخير والسعادة والتكافل.
نقرأ في سورة البقرة قوله تعالى : {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح}(218). هؤلاء اليتامى ينبغي أن نعمل على تنشئتهم تنشئة بعيدة عن التعقيد والانحراف، كما نقرأ في أوائل سورة النساء قوله تعالى : {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب، ولا تاكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً}(2)، وهذا توجيه آخر للمؤمنين للمحافظة على مال اليتامى وهو عدم أكله وضمه إلى أموال الوصي حتى يأتي زمن دفعه له.
اتفق العلماء على أن من بلغ رشيداً وجب دفع ماله إليه، فإذا كان غير رشيد لا يدفع إليه المال عند الجمهور. قال تعالى : {ولا توتوا السفهاء آموالكم التي جعل الله لكم قيماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً}(النساء : 5) والرشد المعتبر هنا هو حسن التصرف في المال، وذلك عند جمهور الفقهاء، ويزيد مالك رحمه الله بالنسبة للأنثى : أنه لا يتم رشدها حتى تنكح. فعلى وصي اليتيم أن يختبر يتيمه بأن يتأمل أخلاقه وتصرفاته، فيحصل له العلم بنجابته والمعرفة بالسعي في مصالحه، وضبط ماله، فإن توسم فيه الصلاح دفع إليه جزءاً من أمواله ليتصرف فيها اختباراً له، فإن حافظ عليها ونماها وجب حينئذ تسليم جميع مالهإليه، لأن الوصي رأى منه ما يدل على رشده قال تعالى : {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم}(النساء : 6). أمر الله تعالى بالاشهاد عند دفع مال اليتيم إليه دفعاً لكل تهمة وتلافياً للوعيد الشديد الذي يلحق من يأكل أموال اليتامى بالباطل، سواء كان وصياً أو مشرفاً على مصالحه كما هو الحال في المؤسسات الخيرية التي تتكفل باليتامى قال تعالى : {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما ياكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}(النساء : 10).
إن رعاية اليتيم فرض على أقرب الناس إليه، فإذا قام به هذا القريب سقط هذا الفرض على باقي الأقارب، فإن لم يقوموا بواجبهم نحو هذا اليتيم، ولم يكن له وصي من قبل الأب، وجب على القاضي أن يتدخل لمصلحة اليتيم، لأن كفالة اليتيم فرض كفاية على الأمة جميعاً، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإلا أثموا جميعاًلتفريطهم. جاء في المادة 244 من مدونة الأسرة -المغربية >إذا لم توجد أم أو وصي، عينت المحكمة مقدماً للمحجور، وعليها أن تختار الأصلح من العصبة، فإن لم يوجد فمن الأقارب الآخرين وإلا فمن غيرهم< ورعاية شؤون اليتيم تشمل كل احتياجاته الضرورية، ومن ذلك حسن تربيته، تربية إسلامية، وتعليمه وتهذيبه، كما تشمل رعايته الاهتمام بماله، إن ترك والده مالاً أو ورثة من أقاربه، أو تبرع به أحد من المحسنين لفائدته، وعدم الإسراف فيه. قال تعالى : {وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوالهم قولاًمعروفاً}(النساء : 5). وقال تعالى : {ولا تاكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فلياكل بالمعروف}(النساء : 6) فالذي لا يأتمر بهذه الأوامر الإلهية، {إنما ياكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}(النساء : 10)، فإن الله عزو جل بين مصير من يأكل مال اليتامى بغير وجه حق. فليتق اللهتعالى كل من يتولى تدبير شؤون اليتيم وليتذكر قوله تعالى : {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً}(النساء : 9).
اهتم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بكفالة اليتيم ورعايته، اهتماماً كبيراً، قال تعالى : {أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة، أو مسكيناً ذا متربة}(البلد : 14- 15- 16)، وقال تعالى : {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل}(البقرة : 213)، قال : >أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين< وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما، البخاري. وقال >من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له في كل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين< وفرق بين أصبعيه السبابة والوسطى،(رواه أحمد).
إذا كان لرعاية اليتيم وكفالته والإحسان إليه والنظر في شؤونه والمحافظة على ماله، وتربيته تربية صالحة، هذه المكانة الرفيعة، وهو الفوز بأعلى الدرجات يوم القيامة، ومجاورة الرسول في الجنة، بسبب ذلك كله، فما أجدر بنا نحن المسلمين في مجتمعنا -مؤسسات رسمية، وجمعيات المجتمع المدني وأغنياء- أن نحرص كل الحرص على أن يضم كل منا عنده يتيماً أو يتيمة حتى نقضي تماماً ونهائياً على مظاهر تشرد كثير من الأطفال اليتامى في سن الزهور رحمة بهم، وحماية لهم من الانحراف والشذوذ والمخدرات التي تنخر أجسامهم الطرية، وتعطل عقولهم البريئة.
فلنسارع كل حسب طاقته وإمكاناته المادية والأدبية إلى فعل الخير لينال رضا الله عز وجل ورضا رسوله ] قال تعالى : {سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء، والكاظمين الغيض والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}(آل عمران : 133- 134).
وختاما فإن رعاية اليتيم مطلوبة في كل الأوقات والمناسبات، ولكن الرعاية في عيد الأضحى تكون آكد وأضمن لعظم الأجر عند الله تعالى.
ذ. أحمد حُسني