1- مرحلة التشخيص
كل مشروع كيفما كانت طبيعته وحجمه يمر بمراحل ضرورية تسمى “دورة حياة المشروع”، وهي خمس مراحل: مرحلة التشخيص، مرحلة الإعداد، مرحلة التمويل، مرحلة الإنجاز، ومرحلة التقويم. والمشاريع التي لا تمر بهذه المراحل هي المشاريع التي تنتهي بالفشل أو إلى نجاح متأخر بعد طول تخبط وبعد خسائر كثيرة (كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الحلقة السابقة) تجعل القائمين عليها والمستفيدين منها والمؤسسات المانحة وكل الشركاء لا يكررون الكرة وتفتقد الثقة في حامل المشروع (الهيئة صاحبة المشروع).
المرحلة الأولى: مرحلة التشخيص Phase du diagnostic
وهي المرحلة الأهم لأنها هي الأساس لما سيأتي من مراحل، وتتمثل في اختيار وتحديد فكرة المشروع. والتفكير في المشروع يعني ابتكار فكرة المشروع والبحث في أولويتها وجدواها، وذلك من خلال التفكير في أهداف ونتائج وأنشطة المشروع دون الدخول في التفاصيل، لأن الهدف في هذه المرحلة هو ليس العمل على إنجاز المشروع، بل هو محاولة الإجابة عن سؤالين محوريين هما:
- هل الفكرة المقترحة قابلة لأن تصبح مشروعا؟
- وهل المشروع له جدوى ويستجيب لحاجيات واقعية؟
إذن كيف نتوصل إلى فكرة المشروع؟
كل هيئة سواء كانت عمومية أو أهلية (قطاع خاص ومجتمع مدني) إذا أرادت البحث عن أفكار للمشاريع، فعليها أن تقوم بالخطوات التالية:
1- أن تحدد الفئات المستهدفة لأنها هي التي نبتغي من أعمالنا الاستجابة لحاجياتها ورغباتها، فتحديد الفئات المستهدفة أو المستفيدة سيوجه ويركز عملية البحث عن أفكار المشاريع ويبعدنا عن العشوائية وعن التفكير غير العملي.
والمقصود بتحديد الفئات المستهدفة هو تعيين جماعة المستفيدين المحتملين: عددهم، أماكن إقامتهم، تركيبتهم العمرية والجنسية، مستواهم التعليمي، مهنهم، مستواهم المعيشي…
2- أن تبحث عن حاجيات الفئات المستهدفة، لأن المشاريع الصحيحة هي التي تلبي حاجيات فئات محددة، على أن تكون هذه الحاجيات واقعية وضرورية. وأفكار المشاريع بالتالي تصبح هي الأنشطة التي يمكن أن تستجيب لهذه الحاجيات. ولتحديد الحاجيات بشكل علمي نلجأ إلى اعتماد مقاربة التشخيص، وحبذا لو كان هذا التشخيص بشكل تشاركي أي بإشراك جميع الفاعلين وفي مقدمتهم وبشكل أساسي مجموعة المستفيدين أو ممثلين عنهم إن كان عددهم كبيرا، وذلك إما باستخدام وسيلة الاستمارات أو المقابلات أو بتنظيم الورشات التشاورية، وهي الوسيلة الأفضل والأنجع.
3- أن تختار من الحاجيات المحددة الحاجيات التي تتوافق الأنشطة المخصصة لها مع اختصاص الهيئة ومؤهلاتها وخبراتها، فمثلا لا يجوز لجمعية رياضية أن تنجز أنشطة تتعلق بالتنشيط الثقافي أو محاربة الأمية أو تشجيع الأنشطة المدرة للدخل أو الدفاع عن حقوق الطفل أو حماية البيئة وغيرها من الأنشطة والأعمال الخارجة عن نطاق اختصاصها (المثبت غالبا في قانونها الأساسي) والتي لا خبرة لأعضائها فيها.
4- أن تعطي الأولوية لعدد من أفكار المشاريع، إذ غالبا ما تتوصل الهيئات إلى عدد من أفكار المشاريع التي تتوافق مع اختصاصها ومؤهلاتها ولكن لا تستطيع أن تنجزها في فترة واحدة بسبب محدودية إمكانياتها المادية أو البشرية. ولاختيار أفكار المشاريع ذات الأولوية ينبغي ترتيب جميع أفكار المشاريع التي تم التوصل إليها بحسب أهميتها اعتمادا على معيارين اثنين هما:
- الكلفة الأقل والمردودية الأكثر، بمعنى مشاريع لا تكلف الكثير من المال والجهد والوقت ولكن لها انعكاسات إيجابية سريعة أو كبيرة على المستهدفين
- مدى تقبل الفئات المستهدفة للمشاريع المقترحة
وبعد اختيار المشاريع ذات الأولوية لا ينبغي إهمال المشاريع الأخرى، بل من الأفضل الاحتفاظ بها في بنك المشاريع الذي يستحسن أن تتوفر عليه كل هيئة، لأن هذه المشاريع يمكن أن تصبح في المستقبل لها أولوية ويمكن تنفيذها إذا توفرت الشروط.
ماذا بعد اختيار أفكار المشاريع؟
وبعد اختيار فكرة المشروع أو أفكار المشاريع تعمل الهيئة على تبرير هذه الفكرة أو الأفكار وشرحها وذلك من خلال إعدادها لبطاقة مختصرة يمكن تسميتها “البطاقة التقنية الأولية” أو “الورقة المرجعية”. ثم تبدأ الهيئة بإجراء مشاوراتها الداخلية (مع الأعضاء) والخارجية (مع المستفيدين والخبراء…). وبعد تقبل الفكرة من جميع الأطراف يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية من دورة حياة المشروع وهي مرحلة إعداد المشروع. ولكن بالنسبة للمشاريع الكبرى أو المشاريع المشكوك في تحقيقها للنتائج المرجوة أو المشاريع ذات أهمية كبيرة أو ذات حساسية كبيرة يتم اللجوء إلى دراسة الجدوى الأولية، أما دراسة الجدوى الأساسية فتتم فيالمرحلة الثانية مرحلة إعداد المشروع.
خلاصة:
مرحلة التشخيص هي المرحلة التي يتم فيها:
1- ابتكار أفكار مشاريع تستجيب للحاجيات الواقعية والضرورية للمستفيدين وفي حدود الإمكانيات المتوفرة
2- اختيار الأفكار الأكثر أولوية وأهمية اعتمادا على قاعدة الكلفة الأقل والمردودية الأكثر
3- تبرير اختيار فكرة المشروع ومناقشتها مع كافة المعنيين.
ذ. أحمد الطلحي
ettalhi@maktoob.com