1- الاعتراف بالآخر
إن علاقة الأنا بالآخر موضوع فلسفي سبق أن طرق، ولم يحسم فيه لحد الساعة، لأن الرابطة بينهما اتسمت دائما بالتشنج، واللاثبات، بل قد تتحول من السلم إلى الحرب السلمية المعلنة، والضرب تحت الحزام، وبكل الطرق والوسائل.
الآن، الاعتراف بالآخر عرف تراجعا كبيرا ترسخ في أذهان الجميع تقريبا، فلم نعد نسمع عن اعتراف بآخر إلا من قبيل الخوف، والتملق، والمصلحة، والتقرب و… والكل يغني على ليلاه، ويبحث عن ذاته، وعن سرابه، فكيف له أن يعترف بالغير؟..
وذلك مرده إلى عوامل كثيرة نحصرها على النحو التالي : تغير القيم الدينية والأخلاقية، حيث أصبح النفاق عملة العصر، وسيطر الحقد والرذيلة على مشاعرنا، فالصغير لا يحترم الكبير، والذكر لا يقدر الأنثى، والعكس، والأنثى لا تأبه بالأب، والأخ، والزوج، تمارس حريتها باسم الحداثة، والوعي، والديمقراطية و …
اختلطت الأوراق، لا تمييز بين العلماء والجهلاء، والأشراف والسفلة، والأعزاء والأذلة …
الحرية ” داء العصر “، كثيرا ما تاقت إليها البشرية، فلما تمكنت منها، التهمتنا هذه الحرية، وانقض الأنا على الآخر، وعلى حقوقه باسم التطور، وباسم النمو الطبيعي للوعي الفردي والجمعي.
والكل أصبح مثقفا واعيا يسائلك في كل شيء، ويجيب عنك في كل شيء، لقد نسي الأنا، أن الاعتراف بالآخر وِجَاءٌ له، وضمان لاستمراره، وأن اختفاء غيره عن قصد، أو عن غير قصد يؤدي بدوره إلى انصهار “الأنا” حيث لا يصبح هناك غير، وتلتهم الأنا نفسها، بعدما ابتلعت الآخر.
2- “زمن الخطيئة”
إلى أين تقودنا الخطيئة والرذيلة ؟ قد يقول قائل : نحو الحرية أو بر الأمان، أو نسيان الشقاء اليومي.
الكل وضع نظارة سوداء على مقلتيه، حتى غدا غير بصير، ويمارس لعبة ” عين ما شافت..”
الخطأ تغلف بغلاف جميل منمق، تغير جلده، ولم نعد نبصره، يسري في عروقنا، يسابقنا، يلتهمنا التهاما، صارت له قوائم، ولسان، وشفتان … يتكلم باسمنا، يجيب نيابة عنا، يقاتل دفاعا عن حريتنا، عن بقائنا!
يبذو مذاقه حلو سائغ شرابه. بدل علقمه وحنظله ؟ انعدم الحس، انعدمت الرؤية، وصار المكان ضبابا، ولم يعد هناك متسع للهواء النقي، وللخيال الجميل، للاستجمام البريء، لا أحد يعلق، صار الوجوم سيد الميدان.
يا زمن الخطيئة، ليلك قد طال، وضيافتك صارت مقاما، لكن لابد لظلمتك من نهاية، إني أبصر فارسا على جواد أبيض يقبل عليك، ليقطع رأسك، ويطهرنا من براثن الجهل والخطيئة، فلا تغتر بعضلاتك، بفتنتك، بطول مدتك، وبعد مسافتك.
يحي زروقي -وجدة