الله أكبر (3)
عباد الله : إنكم تحرصون على تعليم أنفسكم وأبنائكم وهذا أمر مشرف لكنكم تحرصون على العلوم الدنيوية واللغات الأجنبية وتهملون العلوم الشرعية واللغة العربية فلماذا لا تقدمون ما قدمه الله ورسوله؟ لماذا لاتقدمون علوم الإيمان على علوم الأبدان؟ هل اشترط الله عليكم أن تخلقوا أرزاقكم، وأن تدفعوا أنواع البلاء عنكم ما علمتم منها وما لم تعلموا؟ هل اشترط عليكم أن تتخلوا عن أرواحكم أو عن أبنائكم وأزواجكم، أو عن أموالكم من أجل أن يتقبل منكم إيمانكم وأعمالكم. إنه سبحانه لم يشترط شيئاً من ذلك، وإنما اشترط عليكم فقط أن تومنوا به وبرسوله وتعملوا بكتابه وتعبدوه وحده وطلب منكم الوفاء بهذا العقد فقال : { يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} وقال : {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} وقد ضمن لكم خير الدنيا والآخرة، ولميشدِّد عليكم في الدين قال تعالى : {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ولم يكلفكم من الأعمال مالا تطيقون قال سبحانه : {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} فكيف وجدتم الله تعالى فيما عاهدكم عليه وفيما وعدكم به.
لقد كان الله تعالى مُوَفّياً بعهده وبكل وعوده معكم، فهو سبحانه لا يخلف الميعاد، وقد ذكر لنا في كتابه إلينا أمثلةً من العباد الذين وفَّوا بعهدهم معه، فشهد لهم بذلك. فذلك سيدنا نوح عليه السلام يمتثل لأمر الله بصنع السفينة وركوبها وهي تجري به وبمن آمن معه في موج كالجبال، ولكنها تجري بأعين الله {تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر} ويَرضى بعتابِ الله ويستغفره من رغبته في نجاة ولده المعاند المصر على الكفر، ويُسْلم أمرَه إلى الله سبحانه، وذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام يُسْلم نفسَه في سبيل الله ليُلقى في النار كالجحيم، ولم يكن يعلم أن الله قال لها {كوني برداً وسلاما على إبراهيم} وامتثل لأمر الله لما أمره بترك وطنه العراق والاتجاه نحو الشام، وتركُ الوطن لا يُقدِّر ه إلا من أكره على ترك وطنه. وامتثل لله لمّاأمره بحمل لده وأمه هاجر من الشام وطرحِه في وادٍ لا ماء فيه ولا ظل ولا طعام ولا بشر، ففعل وأدبر تاركاً فلذة كبده، ولا علم له بما سيحدث هناك وامتثل للبلاء المبين، عندما أُمِر بذبح فلذةَ كبده بيده، وقد صار اسماعيلُ رجلاً يمكن أن ينوب عن أبيه في الأمور المهمة، فأسلم إبراهيم حبَّه لله، وأسلم إسماعيل نفسه لله قال تعالى : {فلما أسلما} فكان الوفاءُ منهما لله وكان الوفاء لهما من الله وشهد الله لإبراهيم بأنه وفّي بكل ما طُلب منه، فقال : {وإبراهيم الذي وفى} وذلك سيدُنا موسى عليه السلام يمتثل أمر الله بثقة ودون تردد عندما أمره بأن يضرب البحر بعصاه. وأن يسلك بمن معه بين فرقي البحر، وكل فرق منهما كالطود العظيم، وقبل ذلك أسلم سيدُنا موسى نفسه ومعه أخوه هارون عليهما السلام حينما دخلا على فرعون، وهما يعرفان من هو فرعون وملأه وكيف بطشُهم وطغيانُهم، وسلم سيدنا محمد نفسه لله في كل أحواله، وعند لحظة الخروج للهجرة، وفي غار ثور وفي طريق الهجرة، وقبل ذلك وبعده. وسلم الصحابة أنفسهم وأهليهم وأرضهم وديارهم وأموالهم لله تعالى حين هجرة الحبشة، وعند الهجرة إلى المدينة وفي كل الغزوات… فكيف هو وفاؤنا نحن لله تعالى بعهودنا معه؟ وعن أي شيء تخلينا لرب العزة؟ وهل امتثلنا لأوامره بفعل المعروف وترك المنكر، وهل هناك منكر أفحش وأفدح من أن يطالب بعضكم بإصدار قوانين وطنية تمكنهم من الممارسات الحرة والمحمية من قبل السلطة، من أجل أن يعبدوا الشيطان، ويمارسوا الشذوذ الجنسي، ويتزوج الذكر بالذكر، والأنثى بالأنثى، وينتقل من شاء من المسلمين، وبكل حرية ـ إلى المسيحية أو اليهودية إن قبلوه، أو المجوسية، أو البهائية أو غير ذلكمن الديانات التي أوقفها الله عز وجل بمجيء الإسلام كما تعلمون، قال تعالى : {ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين} ومنكم من يطالب علنا بأن يُنتبذ الفكر الإسلامي الموروث كله في متحف التاريخ فقها وأصولا وتفسيرا واجتهادا وتاريخا مثل بقايا الصناعة القديمة، لان ذلك الفكر الإسلامي والتراث الإسلامي ـ في نظر بعضكم ـ لم يعد كله صالحا لتسيير الحياة المعاصرة، والاستجابة للحاجات الآنية. وهم يطالبون بفتح الباب على مصراعية لكل من يرى نفسه مؤهلا مفكرا مثقفا ليفسر القرآن الكريم والحديث النبوي كما يفهم ويرى، دون قيد ولا شرط ولا ضابط، ولينشئ القوانين البديلة التي يراها كفيلة بأن تحقق للناس ـ في نظره واجتهاده ـ السعادة والأمن، وقد استنكر بعضكم تفسير العلماء لقوله تعالى {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} بأنهم اليهود والنصارى، واستنكر بعضكم الآيات والأحاديث التي تأمر بالجهاد ومقاومة الكفار والمنافقين، ورأوا أنها تدعو إلى إفساد السلام، وإثارة غضب الكفار علينا، وقد تجرنا إلى الحرب مع الكفار، ونحن نريد تحسين العلاقات، خاصة وأن تلك الآيات تامر المسلمين أن يُعِدوا العدة ليُرهبوا بها الأعداء، ولم يعلم هؤلاء (المثقفون العظام) أن الله هو الذي يامر المسلمين بإعداد العدة التي تُرهب الأعداء قال تعالى : {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} وأنه سبحانه هو الذي أمر المسلمين بالعدل وعدم الاعتداء. قال تعالى : {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله شديد العقاب}.
وقال سبحانه : {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} واستنكر بعضُ نسائكم أن يأذن الله للرجل عند الحاجة بزوجتين أو ثلاث أو أربع وبشروط. فاعترضت المجتهدات من أولئك النساء على الله في ذلك واعتبرنه ظلما وتجاوزا وإهدارا لكرامة المرأة، وطالبت بأن تتزوج هي أيضا برجلين أو ثلاثة أو أكثر، وبأن تأخذ في الإرث مثل الذكر مِثْلاً بمثل وذلك هو العدل في نظرها، أما قسمة الله تعالى ففيها حيف وظلم كما تقول.
وطالبت بعض نسائكم أن تتمتع بالرجال كما تشاء وأن تلد مع من تشاء، وترفض أن ينعتها أحد بزنى أو دعارة أو فجور، لأنها تمارس حريتها وتتمتع بحقوقها وأن تلبس ما تشاء ولا حق لأحد أن يعيب عليها شيئا من أحوالها.
فهذه هي الحرية التي يمارسها هؤلاء المغاربة وقبل صدور القانون الذي يطالبون به من أجل ترسيخ هذه الحرية في الوطن. فما رأيكم في هذه الحرية التي تفتح على المسلمين كل أبواب الردة والكفر، وتقتلع كل موانع الزنى واللواط والشذوذ، وتمزق نظام الزواج وروابط الأسرة وشرعية الإرث، وتسمح لكل جاهل معتوه أن يفسر كلام الله وكلام الرسول ويتلاعببه كما يشاء ويهوى، أو كما يكلف ويُغوى، هذه هي الحرية التي تنبت اليوم في هذا الوطن وبين أحضانكم وأنتم غافلون، أو عالمون وساكتون، أو راضون مؤيِّدون.
الله أكبر 3
عباد الله، هاهم الكفار يَعْدلون فيما بينهم، ويُسارعون إلى نجدة ومساعدة بعضهم عند الكوارث والحروب، وهاهم يحاولون أن يتوحدوا في الرأي والحكم والاقتصاد والعملة، وها هم يحاسبون حكامهم ويأطرونهم على العدل عندهم، ويحاكمون مسؤوليهم عند الإفراط أو التفريط ويفضحونهم ويعزلونهم فيكونون عبرة لغيرهم، وها هم يحتالون على المسلمين بشتى وسائل الترغيب والترهيب ليجعلوهم متدابرين متنافرين متقاتلين، وقد نبه الرسول على خطر التدابر والتنافر والتباغض بين المسلمين وحذر من عواقبه الوخيمة كما تعلمون. وها هم البلهاء البلداء من العرب يثقون في الأعداء ويتجاوبون معهم، والله سبحانه يكرر تنبيهه للمسلمين وتحذيره لهم من تدابير الكفار وكيدهم. قال تعالى : {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} وقال سبحانه : {لا يالونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون….الصدور}. وقال سبحانه : {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا… خالدون} ورغم هذه التحذيرات و النداءات الربانية فإن بعضكم يطمئن إلى الأعداء ويستجير بهم، ويجتهد مخلصا ليمنع كل ما يخيف الأعداء ويرعبهم، ويفرع وسعه من أجل إرضاء الكفار قولا وعملا، وقد بلغت تنازلاتُ المسلمين أمام الأعداء إلى أسفل دركات الذل والهوان، حتى صار العقلاء من الكفار يشفقون ويحزنون لحال المسلمين المتخاذلين، وبلغت انتهازات الكفار إلى درجة أنهم يكونون أسخياء بأنواع من أسلحتهم للمسلمين عندما يتقاتلون بينهم، لكن الكفار يمنعون المسلمين من صناعة أو شراء الأسلحة التي تخيف الكفار، ويطالبون بعضالمسلمين بأن يتحالفوا معهم ضد باقي المسلمين. ويقولون لمن يرغب في التحالف معهم : لستم أيها المسلمون في حاجة إل تسلح مثلنا فأسلحتنا هي لكم ومن أجل حمايتكم، ونحن نكفيكم ما تخافونه من إخوانكم المسلمين الإرهابيين.
فهلموا إلى التحالف معنا، وإلى تطبيع العلاقات وتمتين الصداقات، فنحن وإياكم إخوة وأقارب وجيران، و لا يليق أن تبقى الحزازات والعداوات الموروثة بيننا وبينكم، فهذا زمن السلم والتفاهم والتقارب والمصالح المشتركة تقتضي ذلك وتوجبه فكونوا عقلاء وقدروا الظروف، وانتهزوا الفرص المتاحة حتى لا تندموا.
والأعداء إنما يحاولون بذلك تجريد المسلمين من كل سلاح يرهب ويخيف، وأنتم تعلمون أن الله تعالى منح الناس جميعا سلاحَ الحديد، ومنح المؤمنين وحدهم سلاحا ثانيا هو سلاح الإيمان وسلاح القرآن، فإذا تمكن الأعداء أن ينزعوا سلاح القرآن والإيمان من قلوب المسلمين وهم لا يُنتجون السلاح الحديدي الشديد، ولا يبلغون في غيره من الأسلحة المادية مبلغ الكفار، لا عددا ولا نوعا، فإن المسلمين يصبحون حينئذ كما كان بنو إسرائيل على عهد فرعون تُذبَّح أبناؤهم وتُستحيا نساؤهم، وفي ذلك من البلاء والخزي على المسلمين ما لا طاقة لهم به.
فهل العدو الذي حذر الله منه مرارا يمكن أن يصبح صديقا حميما أو حليفا كريما؟ وهل يمكن أن تكون أسلحة الأعداء حماية وصيانة للمسلمين؟ وهل يمكن أن يتحقق للمسلمين الأمن والسيادة والحرية الكريمة في التحالف مع اليهود والنصار ى؟ وهل يمكن أن يظفر المسلمون بحياة القوة والبأس بدون القرآن الكريم، ودون الجهاد بالعلم والمال والتربية، ثم بالأبدان والأرواح، فليحذر المسلمون أن يُخدعوا بكيد الأعداء، ولينتبهوا سراعا قبل أن يسلبهم العدو سلاح الإيمان والقرآن كما سلبهم سلاح النيران، فهاهم اليهود بخداعهم ومكرهم يحاولون أن يصنعوا من المسلمين الغافلين حصونا ودروعا وجنودا تحمي اليهود وأبناءهم ومصالحهم وعلى أراضي المسلمين وبأموال المسلمين، أليس هذا هو الدهاء الخبيث يا من يتدبر مكائد اليهود!!!.
الله أكبر 3
عباد الله : لقد أمركم الله سبحانه أن تُعِدوا العدة لتُرهبوا بها العدو، لا لتطغوا وتعتدوا كما يفعل العدو، فهل ترغبون حقاً أن تكونوا من الذين يُرهب الله بهم العدو؟ فاعلموا أنكم لن تفوزوا بتلك المنزلة التي يصبح العدوُّ يخافكم فيها ويقدر شأنكم ويطالب بمسالمتكم له، لن تبلغوا ذلك المقام العزيز عند الله بمجرد الرغبة والرجاء، لن تكونوا مؤهّلين لإرهاب العدو، وكبت جنونه، وتقليم أظافره حتى تعرفوا من هو الله معرفةً علمية عميقة، وحتى تومنوا به إيماناً سليماً، وتوحدوه وتطهّروا أنفسكم من كل شوائب الشرك، وحتى تعبدوه وحده وتحسنوا عبادته، وحتى تعدلوا في الأرض على أي حال كنتم وحتى تُوَفّوا بعهد الله، وحتى تتواصوا بالحق، وتتواصوا بالصبر، حنيذاك يخشاكم الكفار ويرهبُكم الأعداء ويتمسكنون بين أيديكم كما يتمسكن بعضكم اليوم بين أيديهم. فهذا هو سلّم السيادة والريادة لمن علمه ورغب في رُقياه وشرع فيه وتوكل على الله. وتذكروا أنه لا يصلُح أمرُ آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وصل اللهم وسلم على من أرسلته رحمة للعالمين سيدينا محمد النبي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين مكنهم الله في الأرض باتباعهم للكتاب المبين، وعن الصحابة المتمسكين بالسبيل القويم، وعن التابعين المهتدين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
د.محمد أبياط