إن القرآن الكريم والمنهج النبوي الشريف كثيرا ما تحدث عن خصال أهل الجنة، وما أعد لهم في دار الخلود، فالمؤمن ، يعمل دائما من أجل إرضاء الله، ويجتنب ما نهى عنه من محرمات وفواحش، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، مصداقا لقوله تعالى : {والمؤمنون والمونات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر(التوبة : 71) إذن فأصحاب الجنة يعملون ذلك تقربا من الله بالعمل الصالح، ويقول سبحانه : {والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}(البقرة :80) وقال : {والذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون، والذين هم لفروجهم حافظون}(المومنون : 1-5) وقال : {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}(الفرقان : 66) وقال : {أولائك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوسهم فيها خالدون}(المومنون :9- 11) فخصالهم كثيرة ومتعددة، ويصفهم لنا الرسول فيقول : >ألا أخبركم بأهل الجنة : كل ضعيف متضعف<(رواه البخاري) ويوضح لنا العلامة محمد بن سالم هذا الحديث، فيقول : “وإذا كانت الجنة للضعفاء المستضعفين الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، فليس المراد كما يتوهم الذين لا علم لهم بأصول الدين وتعاليمه السامية، أنه لا يدخلها إلا البله والمجانين وذوو العاهات والمرضى، ومن لا يرد عن دينه ونفسه، وأهله وكرامته عدوا، ولا يستطيع الحياة إلا مغبون، وإنما المراد من وصفهم بالضعف أنهم لا يتكبرون على أحد، مع ما أكرمهم الله به من قوة أبدان، وكثرة أموال، وعدد أولاد، وسعة معلومات، وجاه عريض، فهم الأنبياء والصديقون والعلماء والصالحون، والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، والأغنياء الذين ينفقون أموالهم ابتغاء وجه الله ومع كل فضيلة وشرف وأدب ونبل، فهم دائما يرون أنفسهم مقصرين في الواجب، وساعين إلى الكمال وحيث قد فضل الله المرسلين بعضهم على بعض، فكل مفضول يرى فوقه الفاضل ويجتهد في اللحوق به، وبلوغ الدرجات العلى في الجنة(1).
فأهل الفردوس هم الذين يضحون بالغالي والنفيس، في سبيل إرضاء الله، ويعملون بجد واجتهاد من أجل الرقي بالأمة الإسلامية، وهؤلاء هم أصحاب الجنة كما قال سبحانه : {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ابدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا}(النساء : 120). وأما ما أعد لهم في الجنة فيقول عنه الرسول قال تعالى : >أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر<(متفق عليه) فرب العزة أعد لهم في دار الخلود ما لا يعد ولا يحصى، وذكر الله عز وجل في سور وأحاديث عديدة الجزاء الذي ينتظر أهل النعيم، ونذكر منها على سبيل المثال بعض الآيات التي قال فيها {إن المتقين في جنات وعيون، ادخلوها بسلام آمنين، ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين، لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين}(الحجر : 44- 48) وقال : {ياعبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين، ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون، وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون، لكم فيها فاكهة كبيرة منها تأكلون}(الزخرف : 67- 73) وقال : {إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم، يسقون من رحيق مختوم}(المطففين : 21- 25) ويتحدث قدوتنا وحبيبنا عن المتقين في الجنة فيقول : >يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون، ولا يبولون ولكن طعامهم ذلك حساء كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتكبير، كما يلهمون النفس<(رواه مسلم) وقال كذلك إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة : >يا أهل الجنة، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول : هل رضيتم؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك! فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا<(متفق عليه) فالله عز وجل أعد للمؤمنين الصادقين ما يعجز اللسان عن وصفه ومهما قلنا عنها، ووصفناها فلن نفيها حقها، وصدق الله إذ يقول {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}(الحشر : 19).
———-
1- كتاب إصلاح المجتمع للعلامة محمد بن سالم، ص : 107
ذة. خديجة أوسعدان