ها قد سَلَّمَنَا الله تعالى رمضان وسَلَّمَنا إلى رمضان ونسأله سبحانه أن يزيدنا من فضله وأن يتقبله منا على التمام والكمال.
ولكن كيف يتحقق المراد؟ وكيف نحصل على جائرة الصائم المؤمن المحتسب؟ وكيف نعيش أجواء رمضان كما يحب الله تعالى ويرضى؟
إذا كانت القنوات الفضائية والأرضية على السواء تتسابق في رمضان من أجل اجتذاب أكبر عدد من المشاهدين والمشاهدات من خلال إشهار بضاعتهم في رمضان فإن الذي يلاحظ البرامج المقدمة في شهر رمضان يحس وكأن هذه القنوات تحاول أن تكشف عن مشاهديها ما أصابهم من غم وهم وحزن وهم يؤدون شعيرة الصيام.
يتجلى ذلك في كثرة البرامج الهزلية والفنية والغنائية وكذا ما يسمونه بالكاميرا الخفية التي يقوم موضوعها على الاستهزاء بالعباد وهذا ما لا يرضاه الشرع مصداقا لقوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم…}(الحجرات)
كما تنشط المسابقات التي لا طائل من ورائها سوى التمييع والتطبيع مع بعض العادات السيئة كالاختلاط بين الرجال والنساء والاستماع إلى الأغاني الهابطة ومشاهدة الرقص الماجن. وبالإضافة إلى القنوات تنشط جهات أخرى متنوعة وتتنافس في إبطال صوم العباد، هذه الجهات التي أعماها الطمع وجمع المال فتسعى إلى تنظيم السهرات وتجتهد في التعاقد مع أبرز المغنيين والمغنيات والراقصين والراقصات تحت لافتة إحياء ليالي رمضان، بل هو قتل للَيَالي رمضان لأن إحياء ليالي هذا الشهر المبارك لا تكون إلا بما يرضي الله من تلاوة للقرآن الكريم وقيام وذكر وتدارس لكتاب الله وسيرة رسوله الكريم وقراءة سيرة السلف الصالح إلى غير ذلك من أعمال البر.
هذا المخطط المشبوه مع الأسف الشديد يستقطب عددا كبيرا من المسلمين الذين يتنافسون في اختيار الأماكن التي يقضون فيها السهرات الرمضانية (على زعمهم)
كما ينشط التجار كذلك في رمضان لتزويد السوق بأجود البضائع وملابس العيد ليمر ليل رمضان في البيع والشراء، ولا نلومهم على ذلك ما دام في إطار الحلال لأن السبب هو نساء المسلمين اللواتي تتنافسن في شراء أجمل ما جاءت به الموضة وهذا ما يتطلب جولات وجولات في الأسواق من أجل الاختيار حتى تأتي العشر الأواخر وهن غارقات وسط الأثواب وفي لغو مع التجار.
أما ربات البيوت فالمنافسة على أشدها من أجل إنتاج أشهى المأكولات والمباهاة بما تم تحضيره من طعام على شتى الأنواع كل يوم، وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال التالي : أين تلقى بقايا هذه الموائد العامرة؟
وكأن الشاعر قد سمع سؤالنا فأجاب قائلا :
تموت الأسد في الغابات جوعا
ولحم الضأن تأكله الكلاب
نعم إن الموائد العامرة بشتى أنواع الطعام عند كثير من الأسر الثرية ليس لها مصير سوى القمامة، في حين نجد عددا من الفقراء والمعوزين لا يجدون ما يسد رمقهم.
فأين نحن من الجود في رمضان ورسولنا الذي ندعي محبته كان في رمضان أجود من الريح المرسلة.
إن ما تقدم من أعمال وسلوكات لا يمكن أن يحقق المراد من شهر رمضان وهو تقوى الله عز وجل ورحمته ومغفرته وعتقه من النار.
هذه موائد من ليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش.
أما موائد المسلمين الصادقين فإنها على النقيض من ذلك تماما.
> موائد المسلمين المتبعين للنبي الكريم تبرأ إلى الله من أعمال هؤلاء وتعتذر إليه من أفعال أخرين.
> موائد المسلمين يجب أن تسمو فوق هذه الترهات
> موائد المسلمين عامرة بالزاد الذي من أجله اكتسب رمضان هذه القيمة، هذا الزاد هو القرآن : قال تعالى : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}
> موائد المسلمين عامرة بالقيام والذكر والدعاء عسى الله أن يرحمهم، أما الأكل والشرب فإنه بقدر الحاجة
> موائد المسلمين عامرة بالتخطيط لكيفية قضاءالعشر الأواخر من رمضان.
> موائد المسلمين عامرة بالتودد إلى الله تعالى كي يعتقهم من النار في آخر يوم من رمضان.
> موائد المسلمين في رمضان كلها تواص بالحق وتواص بالصبر.
تواصي بالصبر على طاعة الله
وتواصي بالصبر عن محارم الله
وتواصي بالصبر على أقدار الله
لأن الصبر على الشهوات يفضي إلى الصبر في كل مجالات مقاومة العدو، ولأن الامتناع عن الطعام والشراب الحلال في رمضان من شأنه أن يربي في النفس القدرة على مقاطعة بضائع الأعداء.
فهل يعي المسؤولون عن الاعلام في بلدنا الحكمة من تشريع الصيام؟
وهل يعي المسؤولون وهم يُرخِّصون لأصحاب تلك الحفلات الماجنة أنهم يضيعون حرمة هذا الشهر؟
ثم هل يتقي المسلمون ربهم وهم يعيشون فرصة قد لا تتكرر؟
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
عبد الحميد الرازي