الحمد الله رب العالمين الحمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ما كثين فيه أبدا.
أحمده سبحانه وأشكره، وأستعينه وأستغفره واسأله سبحانه أن يتقبل منا الصلاة والصيام ويحشرنا في زمرة خير الأنام.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي المختار، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، وعلى التابعين الأبرار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم العرض عليك يا عزيز يا غفار.
وبعد :
عباد الله : لقد مرت من شهر رمضان أيام الرحمة وهي العشرة الأولى، وأيام المغفرة وهي العشرة الثانية، ولم يبق منه إلا الجزء الثالث وهو أيام العتق من النار. قال رسول الله : “وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار”.
فيا أيها المؤمن الصادق راجع عملك خلال هذه الأيام المباركة التي مرت من رمضان واسأل نفسك هل كنت موفقا فيما قدمت بين يدي الله من الطاعات والقربات والصالحات فتكون أهلا لرحمة الله ومغفرته، أم كنت مقصرا، غافلا، لاهيا، غير مبال بطاعة إن ضيعتها أو معصية إن اقترفتها أو صيام إن أفسدته بقول زور أو العمل به فتكون من الذين أشار إليهم رسول الله في قوله : “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه”.
أيها المؤمن الكريم : إذا كنت من الذين عاشوا هذه الأيام والليالي في مرضاة الله تعالى فاحمد الله عز وجل واسأله القبول. وإذا كنت غير ذلك فاعلم أن الله عز وجل قد أتاح لك فرصة أخرى، وأطال عمرك حتى تلقى هذه الأيام المباركة، وهي العشر الأواخر من شهر رمضان.
فيا من يتشوق إلى القرب من الله، ويطمع في رحمته ورضاه، احرص على إحياء العشر الأواخر من رمضان، واجتهد وجاهد، واجعل قدوتك وأسوتك الحبيب المصطفى سيدنا محمدا الذي إذا حلت به هذه الأيام أولاها عناية فائقة، واهتماما بالغا. فخصها بمزيد من الذكر والدعاء والاستغفار والقيام وتلاوة القرآن.
أخرج الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر”.
فيا أيها الصائم القائم المحتسب، وأنت تحيي أواخر شهر رمضان بأيامها ولياليها بما أمرك الله من الطاعات والقربات، ادع الله تعالى بإلحاح واصدق معه في الدعاء على طلب ليلة القدر وتحريها حتى تصادفها وتوافقها بفضل منه ورحمة.
وداوم على تلاوة القرآن وتدبر معانيه حتى تنتفع بما أودعه الله تعالى فيه من نفحات ربانية وتجليات إلهية. واعلمأن القرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة. عن عبد الله بن عمر ] أن رسول الله قال : “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال : فيشفعان”. والحديث رواه الأمام أحمد والطبراني.
وأكثر أيها الصائم من الصلاة والتسليم على سيد الخلق وحبيب الحق وهو المبشربقوله : “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”
ولازم التضرع إلى الله تعالى والدعاء بخشوع وخضوع وتذلل واطلبه المغفرة والرحمة والعتق من النار والفوز برضا الرحمان وخصص جزءا من دعائك لعامة المسلمين، لأن الأمة في حاجة إلى دعاء الصالحين.
ولا تنس أن تردد بين الحين والآخر ذلك الدعاء الذي علمه رسول الله لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. لما سألته يا رسول الله، أرأيت إن علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلُة القدر، ما أقول فيها؟ قال : قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
فاللهم يا رب نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، ونسألك باسمك العظيم ألأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت وإذا دعيت به أجبت، ونحن في ضيافتك في بيت من بيوتك، متوجهون إليك في هذه الساعة من يوم الجمعة التي نطمع في أن تكون ساعة إجابة أنزل علينا رحمتك وتفضل علينا بعفوك ومغفرتك. ومتعنا بأجر هذا الشهر العظيم عندك واجعلنا من عتقائه، ووفقنا بفضل منك أن نصادف الليلة المباركة عندك، ليلة القدر ووفقنا إلى إحيائها في طاعتك لنفوز برضاك ومحبتك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ويرحم الله عبدا قال : آمين.
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبي الرحمة والهدى ورسول السلام، سيدنا محمد خير الأنام وعلى آله وصحبه الكرام، وبعد :
قال الله تعالى : {إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر}.
لقد أخبرنا المولى سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن في هذه الليلة المباركة التي هي ليلة القدر، فكان لها بذلك شأن عظيم ومكانة عالية ومنزلة رفيعة حيث تميزت عن كل ليالي السنة، وما كان لها هذا الشأن إلا بنزول القرآن فيها. قال تعالى : {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} فقد استمدت بركتها من بركة القرآن، وعظمتها من عظمة القرآن، وقد بقيت خالدة بخلود القرآن. وتتنزل فيها الرحمات بالقرآن الذي هو رحمة مهداة من الرحمن الرحيم لهذه الأمة التي اختارها واصطفاها على كل الأمم وأكرمها برسوله الكريم، وجعله بالمؤمنين رؤوفا رحيما وتسطع فيها الأنوار بالقرآن الذي هو نور من الله عز وجل أضاء به طريق الحق، ونوَّر به قلوب المؤمنين وعقولهم وغذى به أرواحهم.
كل هذه الخيرات والمكرمات كانت بسببالقرآن الذي يعتبر مصدركل خير.
عباد الله : لقد حق لليلة نزل فيها هذا الخير وسطع فيها هذا النور من رب العالمين ونزلت فيها هذه الرحمة من الرحمن الرحيم، وعمَّ فيها هذا الفضل من المولى الكريم، أن يكون لها من الشرف العظيم والمجد الكريم وأن يجعلها خيرا من الأعوام والسنين. وأن تتنزل فيها ملائكة الرحمان، وأن تملأ بالأمن وتفيض بالسلام والأمان، وذلك إعلاء لشأنها وإكبارا لقدرها. والأمة الإسلامية إذ تحيي هذه الليلة في كل أنحاء العالم الإسلامي، إنما تتطلع إلى ميلاد حياة جديدة، وإلى بعث ونهضة لهذه الأمة، حيث تستيقظ العقول وتحرر الأفكار، وتزكو النفوس وتسمو الأرواح وتستنهض الهمم، ويزدهر العلم، وتعود الحرية، ويقام العدل ويقضى على الظلم، ويعلو صوت الحق، ويزهق الباطل، ويتوحد المعبود بحق، وليس ذلك للأمة إلا بشيء واحد، لايتحقق هذا كله إلا بالعودة إلى القرآن بشوق ولهفة وإيمان متجدد في النفوس وبتوثيق الصلة بالقرآن، وتمتين العلاقة بالقرآن وبالإقبال على القرآن حفظا وتحفيظا وفهما وتفهيما، وتطبيقا لمبادئه، وثباتا على نهجه السليم، بإخلاص وصدق وإيمان ويقين، وتعليما وتربية لأبنائنا وبناتنا على تقديسه وجعل كلمته هي العليا في حياتهم، فبالقرآن نستطيع أن ننشئ أفراد المجتمع الطاهر، ونوجد أعضاء الأمة القوية. إننا نريد أن يكون للقرآن تأثيره الفعال في جوانب حياتنا كلها، كما أثر في حياة السلف الصالح من المسلمين، وصنع منهم رجالا، فأسسوا جيلا قرآنيا مؤمنا وأعدوا أمة إسلامية قوية، وهيأوا مجتمعا ربانيا فاضلا، وصاروا رحمة ونوراً يشع في الناس.
فاللهم يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد، يا عليم، يا حكيم، يا عظيم، يا حليم، يا رحمان، يا كريم، يا غفور يا رحيم، أدِمْ علينا نعمة الإيمان والإسلام، وحلاوة الصيام والقيام، ولذة التمتع بحلاوة القرآن ولذة التضرع والخشوعوالإنابة لجلالك آناء الليل وأطراف النهار وارزقنا الثبات على ذلك حتى نلقاك وقد رضيت عنا وغفرت لنا آمين…
ذ.ادريس اليوبي