العالم النامي -والعرب من صميم هذا العالم- يستحق أن يوصف بأنه العالم النايم، بتقديم الياء وتأخير الميم.. أما العالم النامي فيطلق بحق على مثل دولة ماليزيا التي دخلت عالم التقدم التكنولوجي بدون ضجيح ولا انقلابات عسكرية على غرار العالم العربي الذي خدرته تلك الانقلابات التي ظهرت حقائقها أثناء الهزائم المتكررة والانتكاسات المتواصلة وخنق الحريات وتكميم الأفواه وانتهاك كرامة الإنسان بل كرامة الآدمية وتعليق المشانق والإبادة الجماعية ومعسكرات الاعتقال وتدهور العملة وانتشار البطالة والقضاء على المشاريع الصناعية والعلمية التي كانت قائمة، ونهب ثروات البلاد وغير ذلك مما لا تزال ممارسته قائمة في بعض بلاد العرب ومما يُشاهد من آثاره السيئة إلى الآن.
والعجب أننا ما نزال نسمع تصريحات بعض قادة التخلف مثل “لا نسمح بسرقة السلطة من الشعب” “إن أهم من الديمقراطية توفير لقمة الخبز” وما تزال البلاد النايِمَة تُفرض عليها حالاتُ قانون الطوارئ وبعضها لا يزال الحكم فيها للحزب الوحيد، أما ما يسمى بالديقمراطية فلم نر ممارستها إلا في فلسطين لكن الجهود متواصلة من الخيانة المحلية العميلة والطابور الصهيوني عميل أمريكا وأنصارهما في العالم العربي من أجل خنق الشعب الفلسطيني ليدخل من جديد في قفص الذل والهوان والاستسلام للاجهاز على الأمل الفلسطيني في تكوين دولته والاكتفاء بمضغ لقمة الخبز كما صرح بذلك عباس ميرزا!!
إن ما وقع في لبنان وما يقع في العراق والمؤامرات على السوادان وعلى الصومال وتحريك المرتزقة مثل البوليزاريو وتأريث “الإرهاب” في بعض البلاد العربية والإجهاز اليومي على الشعب الفلسطيني وترسيخ أقدام الأنظمة الاستبدادية التي انبطحت أمام أمريكا والغرب وغير ذلك مما يقع في العالم الاسلامي والعربي وبين الأقليات الاسلامية في العالم ليس ذلك أمراً طارئا أو مُوقتاً، وإن انتظار الفرج سيطول كثيراً إذ لا فرج هنا وإنما هي سلسلة من الهجوم على عالمنا العربي والاسلامي مستمرة ومتواصلة وكلما حسبنا أن الأمور سائرة نحو الهدوء والحل السلمي اشتعل أوارها واشتدت عواصفها وتضاعفت حرائقها، والفاعِل واحد والمحرك معروف!!
إننا إلى الآن نغني مع عبد الوهاب أغنيته الشهيرة : “أيها الراقدون تحت التراب” لكن بتغيير أكثر تعبيراً وهو : أيها الراقدون فوق التراب!!
إن الكوارث المتلاحقة خلال القرن الماضي أو القرنين الماضيين التي عاناها عالمنا الاسلامي من تمزيق لدوله واستعمارها والإجهاز على دينها ولغتها ونهب ثرواتها ومن تركيب جديد لدوله وجعلها مربوطة بإرادة الكبار المستعمرين وإنشاء دول خلال رقعتها مثل : سنغافورة واسرائيل وتيمور الشرقية وتحويل الهند الاسلامية إلى هند هندوسية كبيرة وتمزيق باكستان إلىشرقية وغربية وتمزيق المغرب وبلدان افريقيا الاسلامية وما يهدد السودان وبعض الدول العربية والاسلامية كان يجب أن يوقظنا ولكن الناظر إلينا يحسبنا أيقاظاً ونحن رقود، فلحد الآن لم نلحظ أننا نتصرف تصرف اليقظين المدركين لواجباتنا نحو أنفسنا والمتبصرين لما يحيق بنا والمعتبرين بما حل بنا من سقوط الأندلس وتمزيق الدولة العثمانية وما حل أخيراً بأندونيسيا وما يهدد السودان وما يجري في فلسطين..
إن جهودنا وأموالنا وثرواتنا وعقولنا وعلاقاتنا فيما بيننا تعكس في الحقيقة حالات من الذهول والاستغراق في الغفلة والحيرة وما يقع في العراق من اعتداء الأشقاء القادرين على إخوانهم المسلمين بعشرات الآلاف لا يبعث على التفاؤل ولا على أن التقدم العلمي لبعض البلدان الاسلامية سيكون يقينا لصالح العالم الاسلامي إذ من علامات ركود الأيقاظ استحواذ عقلية الطائفية والخضوع لحسابات سياسية متخلفة متناصرة مثلما يقع حول الصحراء المغربية وما وقع في حلايب وفي استغلال “المعارضة السوادنية” البليدة وسلوك النظام السوداني العنيد إزاءها.
إن “الطاغوت العالمي” لا يقنع بما وصلنا إليه من انحطاط وذل و هوان بل إن هذه هي فرصته الثمينة للاجهاز علينا مثلما أجهز الملكان الكاثوليكيان : على غرناطة التي كان الحزبان المسلمان يتصارعان داخلها بين مدينة الحمراء ومدينة البيضاء (البيازين) وكلّ طرف يقاتل أخاه لنصرة ملكه حتى إذاما تغلّب أبو عبد الله على حزب عمه وجد نفسه أمام الاجهاز الكاثوليكي الذي أعْلن للعالم النصراني برئاسة “البابا” “نهاية الاسلام بالجزيرة الأندلسية”.
فاستيقظوا أيها الأيقاظ الرقود.
د. عبد السلام الهراس