قامت جامعة جياو تونغ بشنغهاي بدراسة علمية صنفت من خلالها العطاء العلمي في مختلف الجامعات في العالم. وقد اعتمدت مجموعة من المؤشرات في ترتيب الجامعات أهمها :
ـ كفاءة البحث العلمي
-عدد الجوائز التي نالتها أطر الجامعة
- المقالات المنشورة لهم
- جودة التعليم
وقد احتلت جامعة القاضي عياض (الرتبة الأولى في المغرب) الرتبة 5026 عالميا متخلفة عن جامعات في دول جد متخلفة مثل جامعة دار السلام (2576) وجامعة لاريونيون(2745) وجامعة زيمباوبوي(3170) وجامعة ناميبيا(3570) وجامعة موريشيوس(3768) وجامعة نايروبي(4385) وجامعة بوتسوانا(4795).
واحتلت المدرسة المحمدية للمهندسين (الثانية في المغرب) الرتبة 5434 وجامعة الأخوين الرتبة 6053 وجامعة أبي شعيب الدكالي الرتبة 6860 وجامعة محمد الأول الرتبة 7036.
إنها أرقام ناطقة بعمق تخلفنا عن المؤشرات المذكورة أعلاه.
فالبحث العلمي عندنا ظل في انحدار مستمر خصوصا مع الإصلاحات الجديدة التي أغرقت الأستاذ في سلسلة من الأعمال الإدارية الروتينية لا تسمح بتوفير أي وقت للبحث العلمي ناهيك عن الميزانية الهزيلة المخصصة لهذا المجال، بالإضافة إلى ضعف التجهيزات الجامعية البحثية، في ظل إصلاح يفتقد إلى البنية التحتية المتينة التي تضمن نجاحه مما أدى إلى فوضى وتخبط على جميع المستويات، ومما زاد الطين بلة كارثة المغادرة الطوعية(أو الطمعية بشكل أدق) التي شجعت الكثير من الكفاءات العلمية على الهروب من هذا المجال الذي أصبح بعيدا كل البعد عما يمكن أن يكون مجال البحث والعلم والمعرفة. وقليل ممن شعر بمسؤولية العلم رفض هذه الإغراءات وبقي صامدا يحاول أن يرابط على ثغور سرعان ما أخلاها أصحابها.
وبطبيعة الحال، فإن نظرة عابرة على العطاء العلمي ببلادنا يجعلنا نسلم بضمور البحث العلمي وبالتالي ضمور عدد الجوائز التي ينالها أطر الجامعات وضمور المقالات والبحوث والدراسات المنشورة، ناهيك عن ضعف جودة التعليم بسبب الاكتظاظ وضعف التأطير وقلة الإمكانيات وهزالة الميزانيات المخصصة للقطاع التعليمي.
والغريب أن يحدث هذا في بلد مسلم كاد المعلم فيه أن يكون رسولا أو بتعبير آخر: إن المعلم في الاسلام فيه شيء من عمق النبوة، في بلد حث فيه الاسلام على أن الصف (القسم المدرسي) محراب والمدرسة مسجد ـ محراب للعلم تحت رعاية الله نصلي فيه صلاة العلم ونتصدق فيه صدقة العلم، ومسجد نتطهر فيه من الجهل والجهالة والخيبة والنذالة.
ما أجمل هذا الدين الباني للروح والعقل والفكر، لو كنا على درب توجيهاته نسير وبهداه نهتدي، أليس التفكير معادلة عقلية علمية؟ وأليس الإيمان نبضة قلب وإحساسا وشعورا يحول الفكر إلى حالة روحية، لذلك لن يكون الفكر إيمانا إلا إذا انطلق الإحساس مع الفكر ليفتح له الطريق إلى القلب وبذلك يتعانق العلم والفكر والإيمان.
فهل الجامعات التي جاءت في المراتب الأولى يمتلك أصحابها عقولا من ذهب وعقولنا من فضة؟ هل أفكارهم من النحاس وأفكارنا من حجر؟ إنهم انفتحوا على رسالة الإبداع ليكشفوا المجهول ونحن عشنا اللامبالاة أمام المجهول، هذا هو الفرق بيننا وبينهم، إنهم يعيشون مسؤولية الفكر على مستوى الإبداع والعطاء.
إن مستقبلنا هو العلم، فالذي ينطلق من العلم المؤمن لا بد أن يصنع المستقبل الذي يرفع فيه شأن الأمة إلى مصاف الأمم المتقدمة التي خطت خطوات على طريق الجدية والمسؤولية في مجال العلم والمعرفة، حيث الجامعة والمعهد والمدرسة ليست مجرد ساحات يجتمع فيها الطلاب والأساتذة على موائد اللامبالاة والعبث، بل هي ساحة يعيشون فيها حالة الانضباط في الفكر وحركة العاطفة في العلاقات، حتى تتم عملية الإبداع والاكتشاف بطريقةسلسة.
سبب تخلف جامعاتنا بكل بساطة هو أن هناك أناسا يعيشون اللامبالاة أمام الأسرار الخفية في الواقع وأن هناك أناسا يعيشون مسؤولية اكتشاف الخفايا في الواقع.
فمتى تعاد للعلم مكانته وترفع له منارته؟
ومتى تندثر هذه الفوضى من مؤسساتنا التعليمية؟
ومتى يُصْلَح هذا الإصلاح الذي أربك منظومتنا التعليمية رغم تستر الجهات الرسمية على نتائجه الهزيلة، ورغم مكابرة العديد ممن كانت لهم اليد الطولى في إعداده وتمريره؟؟
محمد البنعيادي