كان الإمام مالك ] يغتسل لرواية الحديث ويتبخر، ويتطيب، فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبره، وقال : قال الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}.
والمقصود بمراعاة جمال الصورة والشكل هو موافقة جمال الحال ولهذا كان النبي يلاقي أصحابه في أحسن هيئة، وأفضل حال، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان نفر من أصحاب رسول الله ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم، وفي الدار ركوة فيها ماء، فجعل ينظر في الماء ويسوي شعره ولحيته، فقلت : يا رسول الله وأنت تفعل هذا!! قال : نعم، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهئ من نفسه فإن الله جميل يحب الجمال<.
قال ابن حجر الهيثمي : هذا منه عبادة متأكدة لأنه مأمور بدعوة الخلق، واستمالة قلوبهم ما أمكنه، إذ لو سقط من أعينهم لأعرضوا عنه فلزم أن يظهر لهم محاسن أحواله لئلا يزدروه فيعرضوا عنه، لامتداد أعين عامة الخلق إلى الظواهر دون السرائر، فهذا قصده عليه الصلاة والسلام، وفيه قربة أي قربة، ويجري ذلك في العلماء ونحوهم إذا قصدوا بتحسين هيئاتهم نحو ذلك.
وهكذا نجد في السنة المطهرة، وعمل الراشدين، والعلماء العاملين ما يفيد تحلي الداعية بالزي المناسب لمقام الدعوة والتبليغ، وهذا مما يعين على توجه الأبصار إليه، وسماع دعوته، وإمالة القلوب إلى فكرته.
عن مطرِّف قال : سمعت مالك بن أنس يقول : قلت لأمي : أذهب فأكتب العلم؟ فقالت لي أمي : تعال فالْبس ثياب العلماء، ثم اذهب فاكتب، قال : فأخذتني فألبستني ثياباً مشمرة، ووضعت الطويلة على رأسي، وعممتني فوقها، ثم قالت اذهب الآن فاكتب<(رواه الرّامَهُرْمُزي المحدث الفاضل ص 201).
وهكذا كان الإمام مالك ]، إذا أراد مباشرة تبليغ حديث رسول الله وأحكام الإسلام أصلح هيئته وحسن حاله وتنظف وتطيب لذلك تعظيما لشأن الدعوة.
عن سلمة الخزاعي قال : >كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج يحدث توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، ولبس قَلنسُوةَ، ومشط لحيته، فقيل له في ذلك، فقال : >أوقر حديث رسول الله <(المصدر السابق).
ذ. عبد الحميد صدوق