مما يحز في نفس كل من يعتز بدينه، ويغار على شرفه وعرضه، هو أن يصبح الحديث عن الحياء غريبا لطغيان الحضارة المدنية الغربية على بعض الأسر، ولوصف المعرض عنها والمتشبث بالحياء بعدم مسايرة العصر، ولكن مع هذا يظل الحياء هو الأدب العالي لكل من الرجل والمرأة.
وبالمناسبة ونحن مقبلون على موسم الصيف حيث تصبح الشواطئ معرضا لنساء عاريات متجردات من الحشمة والحياء، وفيها يهدم ذلك السياج المنيع الذي أقامه الإسلام للحفاظ على المرأة المسلمة ؛ حيث زودها بالتحصن وحسنها بالتعفف، وكره لها إبداء زينتها وكشف عورتها حماية لشرفها وحفاظا لعرضها من الامتهان والابتذال مصداقا لقوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن}(النور : 31).
فكيف تسمح المرأة لنفسها وتتجرد من حيائها فتخلع رداءها وتعبر عن فتنتها أصدق تعبير، فتتعرى عن الفضائل كما تعرت عن الملابس وتعرض جسمها للنظرات اللاذعة وهي تعرف أن إرسال النظر بالشهوة مبدأ كل فتنة، وكما قال أحد الشعراء :
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النظر من مستصغر الشرر.
ويقول سبحانه وتعالى : {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}(الإسراء : 36).
فيجب على المرأة المسلمة أن تتجمل بالحياء وتتقي الشبهات ؛ فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام.
ومما لا شك فيه أن المرأة الصالحة عفيفة وطاهرة وحافظة للغيب بما حفظ الله تعالى، إنما عليها أن تحرص حرصا كبيرا على اجتناب مواضع التهم ومواطن الشبهات حتى تحمي عرضها وسمعتها من أي ظن خبيث، هي أبعد ما تكون عنه، فقد قال تعالى : {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}(الأحزاب : 32).
والحياء له صلة بيقظة الضمير والضمير وثيقة الصلة بحياة القلب وصفائه، فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم، وإذا سيطر الشيطان على القلب أفسده وأضله وأفقده سلامته وصفاءه.
ومن الحياء أن تخجل المرأة من أن يؤثر عنها سوء، وأن تحرص على بقاء سمعتها نقية من الشوائب، والمرأة التي تخجل من الظهور برذيلة لا تزال فيها بقية من خير، على أن الإنسان ينبغي أن يخجل من نفسه كما يخجل من الناس، ويخجل من الله عز وجل الذي {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}(غافر : 19)، والحياء في أسمى منازله وأكرمها يكون من الله عز وجل، وهو بهذا الشمول هو الدين كله، وهو أفضل شعب الإيمان وأكثرها ثوابا وأعلاها مكانة عند الله تعالى، قال رسول الله : >الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان<(1).
وقد كان النبي هو المثل الأعلى في الأخلاق، ومنها الحياء، فعن أبي سعيد الخدري ] قال : >كان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه<(2).
——–
1- أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب : عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، رقم : 51.
2-أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه، رقم 4284.
ذة. فاطمة ملول