يتأكد حسن الهيئة وجمال الحال، إذا كان ذلك يستميل قلوب الناس للإهتمام بالدعوة، يقول الشوكاني رحمه الله تعالى : >وليس الغالي من الثياب عند الأمن على النفس من التسامي المشوب بنوع من التكبر لقصد التوصل بذلك إلى تمام المطالب الدينية من أمر بمعروف أو نهي عن منكر عند من لا يلْتَفِت إلا إلى ذوي الهيآت كما هو الغالب على عوام زماننا وبعض خواصه، لاشك أنه من الموجبات للأجر لكنه لابد من تقييد ذلك بما يحل لبسه شرعاً<(نيل الأوطار 110/2).
ولهذا المعنى كان إمام الدعوة يأمر أصحابه الكرام باللباس الطيب وينهاهم عن اللباس المتفحش.
عن سمرة بن جندب مرفوعاً قال قال رسول الله >البسوا من الثياب البيض فإنها أطيب وأطهر، وكفنوا فيها موتاكم<(رواه أبو داود وابن ماجة بإسناد صحيح).
وعن أبي حنظلة أن النبي قال لنا يوماً : >إنكم قادمون علىإخوانكم فأصلحوا لباسكم ورحالكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، وإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش<(رواه أبو داود وأحمد والحاكم).
يقول الخطيب البغدادي : ينبغي للمحدث أن يكون في حال روايته على أكمل هيئة، وأفضل زينة، ويتعاهد نفسه قبل ذلك بإصلاح أموره التي تجعله عند الحاضرين من الموافقين والمخالفين مقبولاً<(الجامع لآداب الراوي 373/1).
وهذا أمر لا يتنافى مع الورع عند السلف، فعن عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ قال : سمعت يحى بن محمد الشهيد قال : ما رأيت محدثاً أورع من يحى بن يحى، ولا أحسن لباسا منه<.
إن الهيئة مظهرمن مظاهر الذوق عند كل أمة، وهي شكل ناطق بالمبادئ التي تنطوي عليها دعوة كل قوم، ولهذا كان النبي إذا رأى من أصحابه إهمالاً لشيء من النظافة، وإصلاح الهيئة نبه على ذلك، عن جابر قال : آتانا رسول الله زائراً في منزلنا فرأى رجلاً شعثاً، فقال : ما كان هذا يجد مايغسل به ثوبه، ويلُمُّ به شعثه<(رواه النسائي وأبو داود وأحمد والحاكم)، وفي رواية أتى رجل النبي ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه الرسول كأنه يأمره بإصلاح شعره ففعل فلما رجع، قال رسول الله : >أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان<().
وعن الأصوص عن أبيه قال : >كنت جالساً عند رسول الله رث الثياب، فقال : ألك مال؟ قلت يا رسول الله من كل المال، قال : إذا أتاك الله مالاً فليرى أثره عليك<().
ذ. عبد الحميد صدوق