على إثر الهجمة الشرسة التي قام بها الكثير من الحاقدين على هذا الدين ونبيه قصد تشويهه وتشويه نبي الرحمة نكاية بالمسلمين ومحاولة لإطفاء نور الله الذي سطع في كل مكان وأبهر أعين الخفافيش في كل جحر مظلم فتعالت أصواتهم وتناغمت تحت أكذوبة “حرية الرأي” وظنوا أنهم بهذه الأكذوبة يمررون حقدهم، لكن أتاهم ما لم يكن لهم في الحسبان، إذ اهتزت الأمة في جميع أنحاء المعمور،انتصارا لدينها ودفاعا عن حبيبها، الذي أنار طريق الخلق بالهدى ودين الحق، يقول تعالى : {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.
خير خلق الله على الإطلاق
عندما نقول خير خلق الله على الإطلاق، فهل هذا يعتبر تجنيا من المسلمين على الحقيقة ؟ أم تعصبا منهم لنبيهم ؟ لا، ليس هذا ولا ذاك، لأن القرار فوق سلطان البشر، إنه قرار الخالق الذي خلق كل شيء، والمالك الذي يملك كل شيء. فالخلق خلقه، والملك ملكه، والأمر أمره، يقول تعالى : {ألا له الخلق والأمر تبارك رب العالمين}.
ومن هذا المنطلق، فله الحق بأن يتصرف في ملكه بما يشاء، وكيف يشاء يقول تعالى : {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}(الأنبياء) غني عن كل شيء، ويفتقر إليه كل شيء.
سنن الله في خلقه
ومن رحمته بخلقه، أن جعل لهم سننا ثابتة، تحكم خلقه وتنظم شؤون ملكه، في كل المجالات، ولا سيما مجال العلاقات التي تنظم الأمور بين المخلوق المكلف، وبين غيره من المخلوقات المسخرة والموجودة. يقول تعالى : {سنة الله فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا} تلك السنن التي جعل الله لها أصولا ثابتة، تتفرع منها كل الفروع الجزئية، ألا وهي : السنن الكونية، السنن الاجتماعية، السنن التشريعية . ومن التفريعات التي لا حصر لها، سنة التفاضل.
سنة التفاضل
إن سنة التفاضل جعلها الله لخلقه من أجل ضبطالكثير من القيم والمفاهيم، سواء في المجال الكوني أو الاجتماعي أو التشريعي، فهذا جيد وهذا رديء، وهذا جميل وذاك قبيح، وهذا حق وذاك باطل، وهذا بر وذاك فاجر…..
لكن من الذي يستطيع إعطاء ضوابط هذه الازدواجية في الخلق، إلا الذي خلقها، وهو سبحانه جعل سنة التفاضل تسري على كل المخلوقات، ومن ضمنها هذا المخلوق المكلف، بأمانة الاستخلاف، والذي اجتبى منه ثلة أخلصها لنفسه، وصنعها على عينه، وخصها بحبه وعنايته ورعايته، لتكون منارة تهتدي بها البشرية، إلى وجود ها في إطار الأسئلة التالية : من أين أتيت ؟ ولماذا أتيت ؟ وإلى أين المصير ؟.وبمعرفة الجواب عن الأسئلة يتم التفاضل في مجال العلم والعمل والقرب والبعد من الله، يقول تعالى : {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض}.
اصطفاء الحبيب على جميع الخلق
إن الله اصطفى من أولي العزم أحبهم إليه، وأفضلهم عنده، وقال في حقه : {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما}.
إن الله فضل محمدا صلى الله عليه وسلم على جميع خلقه، فجعله إمام الأنبياء والمرسلين، من لدن آدم عليه الصلاة السلام إلى دخول الناس إلى الجنة أو النار، فعن ميسرة رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : “وآدم بين الروح والجسد” الشيء الذي يؤكد بأن الرسول الكريم، كان رسولا للناس أجمعين، وإماما للأنبياء والمرسلين، الذين جاءوا قبله، يمهدون لمبعثه، وعموم رسالته، يدل على ذلك العهد الذي أخذه الله على جميع أنبيائه ورسله في قوله تعالى : {وإذ أخذ الله ميثاق النبيئين بما أتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا : أقررنا، قال : فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}(آل عمران).
إن الآيات الكريمات تقرر حقيقة العهد الذي أخذه على أنبيائه ، بأن يؤمنوا برسول الله، إذا خرج فيهم وهم أحياء، كما أخذ عليهم الميثاق بأن يبلغوا ذلك إلى أممهم، يؤكد ذلك قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري، إذ يقول : >ما بعث الله نبيا قط إلا أخذ الله عليه العهد لئن بعث محمد وهو حي ليومنن به ولينصرنه، وأمره بأخذ الميثاق على أمته، إن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء، ليؤمنن به ولينصرنه<(البخاري).
أبنائي : إن هذه الحقيقة الدامغة، يشير إليها القرآن الكريم، في كثير من آياته، ويعلنها صريحة واضحة بأن أوصاف الرسول الكريم، مقررة في كل الكتب السماوية السابقة ، يقول تعالى : {النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث…}الآية.
نعم، هذه الحقيقة الناصعة، يعرفها أهل الكتاب معرفة كاملة يقينية، لكنهم، يخفونها حسدا من عند أنفسهم،والقرآن الكريم يفضحهم، ويبين خبيئة أنفسهم، في قوله تعالى : {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}(البقرة).
كما يؤكد هذه الحقيقة، روح الله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، في وصيته إلى بني إسرائيل، يقول تعالى : {وإذ قال عيسى بن مريم، يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد. فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين}(الصف).
حدث الإسراء والمعراج
إن حقيقة هذه الأفضلية، يؤكدها حدث الإسراء والمعراج، حيث جمع الله جميع الأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى الأسير في زمن جيل الغثائية في يد عبدة العجل، وأبناء القردة والخنازير- ، فقام فيهم خطيبا، ثم أمهم مصليا، إيذانا من المولى سبحانه، بأن رسالتهم قد انتهت، وأن صاحب العهد قد جاء لإكمالها وإحكامها وأخذ مفاتيح الدعوة التي حملوها.
ثم إن صاحب العهد لم يقف عند حدود الإمامة الأرضية، بل رفعه المولى إلى السماوات العلى، وجعل في كل سماء رسولا أو رسولين، لاستقباله بتحية تليق بمكانته، مع الدعاء له ولأمته. فرأى من آيات ربه الكبرى ما رأى، حتى تجاوز السماء السابعة إلى سدرة المنتهى . يقول : >ثم انطلق حتى انتهى بي إلى الشجرة، فغشيني من كل سحابة فيها من كل لون. فتأخر جبريل، وخررت ساجدا<.
إنه حاز كل مقامات المرسلين وحتى جبريل عليه السلام، يتوقف عند مقامه المعلوم. فيقول له الرسول الكريم : >يا أخي يا جبريل، أفي هذا المكان يترك الخليل خليله؟< فيجيبه عليه السلام : >يا حبيبي يا رسول الله، لو تقدمتُ لاحترقت، ولو تقدمتَ لاخترقت<.
هذه المنزلة لم يحض بها مخلوق سواه، وهي تؤكد بما لا مجال للشك عند أهل العلم واليقين، بأن أفضليته تجاوزت الجن والإنس، وارتقت إلى تفضيله حتى على الملائكة عليهم السلام.
وبذلك يحق للبشرية بأن تفخر به وتحبه، وتطيعه، وترفع صوتها عاليا، وتقول معنا : “إن محمدا هو خير خلق الله على الإطلاق”.
الحبيب المزكى
لما رفع المولى رسوله الحبيب هذه الرفعة، ومكنه هذا التمكين زكاه تزكية كاملة شاملة ظاهرة وباطنة، زكى عقله فقال : {ما ضل صاحبكم وما غوى} وزكى بصره فقال : {ما زاغ البصر وما طغى} وزكى فؤاده فقال: {ما كذب الفؤاد ما رأى} وزكى صدره فقال : {ألم نشرح لك صدرك؟} وزكى ظهره فقال : {ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك} وزكى ذكره،فقال {ورفعنا لك ذكرك} وزكى خلقه فقال : {وإنك لعلى خلق عظيم}.
نعم زكاه الله كله ثم زكى أعضاءه ليكون ” المثل الأعلى ” للبشرية جمعاء ومن غير استثناء، ولاسيما أن المولى أضفى على رسالته، الخاتمة والعامة والخالدة، التزكية التي هي أصل أصيل في بعثته، يقول تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}(الجمعة).
إن الحبيب المصطفى بتبليغه هذه الرسالة، الموسومة بتلك المعالم الكبرى، جعله الله منارة للحق، وحجة على الخلق، لما له من خصوصيات خصه الله بها، نشير إلى بعضها.
1) أعطي مالم يعط أحد من الخلق.
إن هذه الخصوصيات التي خصه بها مولاه تؤكد لنا حقيقة ما مر، حيث يقول : >أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر. وأحلت لي المغانم، ولم تحل لأحد قبلي. وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل. وأعطيت الشفاعة. وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة<.
وهذه الفضائل إذا لم تعط للأنبياء، فهل تعطى إلى غيرهم من المخلوقات ؟ فلسان المقال، ولسان الحال يقول، لا، وألف لا.
2) أخبره مولاه في كتابه الحكيم أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول تعالى : {إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} ولم يعط ذلك لغيره.
3) أعطاه المعجزة الخالدة التي تتحدى الجن والإنس على مر العصور والدهور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بينما تصرمت معجزات إخوانه المرسلين ولم يبق لها من أثر إلا ما أخبر به القرآن الكريم.
4) وقره المولى وكرمه وعظمه فلم يناديه في القرآن الكريم باسمه وإنما كان يناديه بمناقبه وصفاته فقط :
{يأيها المزمل} يأيها الرسول، يأيها النبي – بينما نادى إخوانه المرسلين بأسمائهم : ياآدم، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على رفعة مكانة حبيبه عنده.
5) جعله الله الرحمة المهداة كما قال : >أنا الرحمة المهداة< وجعل رسالته رحمة للعالمين، يقول تعالى : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} زيادة على أنه سبحانه أعطى رحمته الواسعة لأمته كما سنرى.
6) خصه الله بخواتم سورة البقرة، فقال : >أعطيت خواتم سورةالبقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي<.
ذ.علي علمي الشنتوفي