سئل الإمام مالك ] عن مسألة فقال : لا أدري، فقيل له : إنها مسألة خفيفة سهلة فغضب وقال : ليس في العلم شيء خفيف أما سمعت قول الله عز وجل {إنـــا سنلقي عليك قولاً ثقيلا}(المزمل : 5)<(1). هذا مع العلم أن الإمام مالكاً ] كان متبحراً في الشريعة عالماً بأسرارها ومقاصدها، كان كلما ازداد الإنسان منه قربا فاض عليه علما.
في الوقت الذي تحول فيه بعض الناس في هذا العصر إلى مفتين يفتون في شرع الله بغير علم، فمنهم من يكفيه لكي يصبح مفتيا أن يقرأ كتاباً أو مجلة أو يستمع إلى شريط فإذا به يفتي الناس في كل الأمور.
وإلى هؤلاء أقول >صح عن ابن مسعود وابن عباس : من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه فهو مجنون<(2).
وياليت الأمر وقف عند هؤلاء بل هناك أشخاص ممن يحسبون على الفئات المثقفة يتكلمون في شرع الله بكلام يندى له جبين الحياء خجلا، كلام يعمي القلوب، ولا زلت أتذكر حدثا عاينته بنفسي قبل سنتين حين سمعت إحدى (المثقفات) تقول في معرض حديثها عن حكم مصافحة الرجل للمرأة : (لا يمكن للرسول أن يحرم مصافحة الرجل للمرأة هذا مستحيل، ألم يكن الرسول يلمس يد أمه ويد أخته، هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن نبي قط) واستمرت في خلط الأوراق وقلب الحقائق دون خجل أو استحياء.
وإلى هؤلاء أقول : إن منصب الفتيا منصب عظيم يكفيه شرفاً أن الله سبحانه وتعالى قد تولاه بنفسه، قال عزوجل : {يستفتونك قل الله يفتيم في الكلالة..}(النساء : 176).
لذلك : وجب على المفتي أن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه وعلى الإنسان أن لا يقدم على هذا العمل الشريف العظيم إلا إذا كان أهلاً لذلك، فهذا الإمام مالك ] قد توفرت فيه كل الشروط ومع ذلك قال : >ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك<(3).
—–
1- أعلام الموقعين عن رب العالمين لإبن القيم الجوزية 167/4.
2- نفسه 127/2. // 3- نفسه 167/4.
فريد لقرع