تجربة مجلة العلوم في صوغ المصطلحات الجديدة
نبذة عن مجلة العلوم
سأستبق عرض وجهة نظري حول صوغ المصطلحات العلمية الجديدة بنبذة عن مجلة العلوم التي تصدر شهريا منذ عام 1986 عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. إنها -في ثلثي محتوياتها- ترجمة للمجلة العلمية الأمريكية “ساينتفيك أمريكان” التي تصدر حاليا بثماني عشرة لغة عالمية. وقد اشتهرت هذه المجلة منذ تأسيسها عام 1845 بعرضها المشوق للموارد العلمية المتقدمة في مختلف الحقول العلمية، وباستخدامها القيم لمختلف وسائل الإيضاح. إنها تمكن القارئ غير المختص من متابعة تطور معارف عصره العلمية والتقانية، كما تمكن القارئ المختص في حقل من الحقول العلمية من معرفة شمولية لموضوع تخصصه.
ويدخل إصدار مجلة العلوم ضمن الجهود المبذولة لاستنبات علم عربي أصيل، الأمر الذي يفرض السعي لتصبح لغتنا أداة طيعة في خدمة أمتنا واستئناف مسيرتها في وجه تحديات هذا العصر ومتغيراته.
وبفضل الدعم الكامل الذي تتلقاه مجلة العلوم من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، أمكن وصولها بسعر رمزي إلى قرائها، فمردود بيعها لا يغطي سوى جزء زهيد من تكلفة إنتاجها.
إن همّ مجلة العلوم وشغلها الشاغل هو إيجاد المترجم الكفء في مادة تخصصه، أينما كان في الوطن العربي أو خارجه. فكما تعلمون، لا تتأتى الترجمة العلمية على أكمل وجه في حقل من الحقول إلا لمختص في هذا الحقل، إذ يجد في علمه ثروة تمكنه من التفاعل مع النص المراد تعريبه، كما تمكنه من فهم أفكاره واختيار مصطلحاته.
مشكلة المصطلحات العلمية الجديدة
لا ريب في أن أهم مشكلة تواجه تعريب العلم المعاصر، هي مشكلة المصطلحات العلمية الجديدة. وأمام تدفق سيل هذه المصطلحات، نجد أنه من الأجدى تعريبها بحيث تُبذل الجهود الثمينة، التي يتطلبها إيجاد كلمات عربية صميمة، في تلبية حاجات الاستعمال العاجلة لمواكبة عصرنا فيما ننقله إلى لغتنا من مختلف العلوم.
وهذا ما أكد عليه المرحوم الدكتور إبراهيم مدكور، عندما كان رئيسا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، في معرض تبريره عدم لزوم كون المًُستعرب على أبنية العرب، حيث قال أيضا:
“العلم تراث الإنسانية جمعاء، ويجب أن يُفسح المجال فيه بتبادل الألفاظ كما نتبادل الأفكار والمعاني”.
كذلك يجب ألا نخشى طغيان المُستعربات على لغتنا، إذ إن ما يميز اللغة ليس مفرداتُها، وإنما أصولها وقواعدها ونظامها. وهذا ما يجب أن نحرص عليه لسلامة لغتنا.
وفي نظرنا، إن ما يُرجح الاستعراب هو أن معظم – إن لم نقل جميع مصطلحات الأبحاث والدراسات الحديثة- لا يمكن التعبير عنها بسهولة ووضوح إلا باستعمال جُمل طويلة لشرحها، مثل:
> تكتونيك (في الجيولوجيا): تشوهات القشرة الأرضية؛
> سبام (في المعلوماتية): الرسائل أو الإعلانات المُقحمة على بريد إلكتروني خاص؛
> ثم إن استعمال مصطلح معين في لغات صانعي العلم الحديث، يجب، في نظرنا، أن يحفزنا على استعرابه؛
فما فائدة تفرد لغتنا في التعبير عما درج في تلك اللغات؟ ألن يجعل هذا التفرد من العسير على أبنائنا متابعة ما يُنشر من أبحاث في لغات صانعي العلم الحديث؛ كما قد يُنَفِّر الباحثين العرب الذين أتموا دراساتهم العالية بتلك اللغات من متابعة أو الإسهام فيما يُنشر من أبحاث أو دراسات بلغتنا؟
طبيعي أن ليس من المتعذرعلى العربية، أن تضع ألفاظا للمصطلحات الجديدة؛ لكن العبرة في شيوع هذه الألفاظ… وهكذا لم تصمد المصطلحات العربية الأصيلة التي وضعت مقابل المصطلحات الدخيلة؛ مثل: أكسجين، هيدروجين، نتروجين، فيتامين، هرمون، بنكرياس.
كما أن ترجمة المصطلح العلمي الجديد تؤدي، في معظم الحالات، إلى اختلاف ترجمته منذ البداية؛ فكل مترجم له فيه اجتهاده الخاص، الصائب فينظره؛ أما المستعرب فصيغته واحدة تقريبا.
ثم ما الهدف من تغيير مصطلح شاع بين أهل الصنعة مُستَعربا مقابل آخر عربي أصيل ظلّ إلى حد ما، حبيس الأدراج؟ لنتذكر مثلا: مثالة وناسوخ مقابل فاكس.
أو ليست قدرة العربية على استيعاب الألفاظ الدخيلة دليلا على حيويتها ومرونتها؟ أوليس في هذا الاستيعاب إثراء لها؟
هذا ولا يجد بعض المُطلعين بأسا فيما قام به السلف من تعريب للكثير من المصطلحات والألفاظ، ومنها ما استخدم بحروفه لأصواتها، بحجة أن السلف كان يومذاك يصنع الحضارة ويمسك بزمامها…
لكن هؤلاء يجدون أن استمرار هذا النهج يعني التبعية، وفي ذلك العيب كل العيب. لكنني أتساءل، أولسنا اليوم في وضع أسوأ نسبياً مما كان عليه السلف في العلم والتقائه بشكل خاص؟ ولم لا نبيح لأنفسنا اليوم ما أباحه السلف الصالح لنفسه؟
ملاحظات حول العمل المصطلحي
اسمحوا لي ختاماً أن استعرض بعض الملاحظات حول العمل المصطلحي لمجلة العلوم:
1- تلتزم المجلة قدر الإمكان بالمصطلحات الشائعة الواردة في المعاجم الرصينة. وعندما تُدخل مصطلحا جديدا، تضع إلى جانبه مقابلة الإنكليزي؛ وعند اللزوم، تضع له في حاشية المقالة المترجمة تعريفا علميا معجميا. وإذا كان للمصطلح المعتمد مرادف، وضع هذا المرادف بين قوسين، ويكرر ذلك مرتين متتاليتين إذا ورد في المقالة أكثر من مرة. فمثلا، اعتمدت المجلة المصطلح مفعول الاحتباس الحراري (مفعول الدفيئة) effect greenhouse ، بعد أن كانت تستعمل بعض مقابلاته الواردة في المعاجم المختلفة للمصطلحات العلمية، ومنها: مفعول الجُنّة – مفعول البيت الأخضر- مفعول البيوت الزجاجية- مفعول الدفيئة.
2- وعند تعدد المقابلات العربية لمصطلح واحد ولا يتيسر اختيار أحدها، نلجأ إلى تعريبه، كما في:
- شيبة chip (وقد أنثت لكونها أداة صغيرة) ومن مقابلاتها في معاجم مصطلحات الحاسوب المعلوماتية ـ شذرة ـ جذاذة ـ شُدفة ـ رقاقة ـ شريحة؛
- باركود barcode ومن مقابلاتها : شفرة الخطوط العمودية ـ كود قضيبي ـ رمز القضبان المتوازنة- ترميز قضباني- كود مخطط.
- كود code – تكويد encoding؛ ومن مقابلاتها: راموز- جَفْر- شفرة.
ونحجم عن استخذام المصطلحات المُعربّة التي يتعذر الاشتقاق منها عند الحاجة. فمثلا، اعتمدت المجلة: حاسوب computer (ومصدرها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) بدلا من الكلمة الشائعة كمبيوتر. ومن مقابلاتها: حاسب آلي – حاسب ألكتروني- رتابة- عقل ألكتروني- نظامة- نضاد…! واشتققنا منها حوسبة computerization.
3- ونلجأ إلى تعريب المصطلح عندما لا تؤدي ترجمته إلى توضيح مدلوله العلمي، كما في: كوارك quark، وهو الاسم الذي أطلقه مكتشف أحد الجسيمات الأولية على هذا الجسيم مستعيرا هذا الاسم من رواية كان يقرؤها للكاتب جيمس جويس، ويعني في الألمانية الدارجة: هراء.
4- نرجح استعراب المصطلحات المحدودة الاستعمال، مثل: تهشيش hashing ، وتعني في المعلوماتية: تجزئ ملف حاسوبي وتلبيده في منطقة معينة برقم .
5- ولتسهيل الاشتقاق من المصطلحات والنسبة إليها والإضافة إليها نسعى بشكل عام لأن نُفرد المصطلح الواحد بلفظ واحد. ومن أجل ذلك على سبيل المثال، نحتنا من: إنسان آلي robot إنسالي، واشتققنا منها إنسالية robotics.
6- وسعيا إلى الحد من التباين اللفظي للمصطلحات المعرَّبة نكتبها بأقرب شكل إلى الطريقة التي تلفظ بها في الإنكليزية، ولتحقيق ذلك نستعمل الصوامت الأعجمية:p ؛ v ؛ الكاف الفارسية. هذا وغالبا ما نستعمل في الضبط حروف العلة وليس التشكيل فقط؛ ولهذا كتبنا شيبة بالياء.
ولا شك في أن خير سبيل لتوحيد المصطلحات، هو تواتر استخدامها، وهذا ما تسعى إليه مجلة العلوم جاهدة.
هذا وستُصْدر هذه المجلة -قريبا- قوائم بالمصطلحات العلمية، موزعة حسب الموضوعات العلمية المختلفة وتتضمن ما ورد في المجلة من مصطلحات منذ تأسيسها عام 1986، مع الإشارة إلى آخر موضعين ظهر فيهما كل مصطلح وبالسياقات المختلفة. كما ستُصدر المجلة كتيباً يتضمن خلاصات المقالات التي نشرت فيها والكلمات الدالة على هذه المقالات.
أد.عدنان الحموي