إن >تعريب التدريس يجب أن يعتبر جزءاً لا ينفصل عن تعريب المجتمع ككل< أما >عنـاصر التعريب< في رأيي فهي أربعة:
1- عنصر >لغوي تربوي<… 2- عنصر >لغوي أجنبي<… 3- عنصر >مصطلحي<… 4- عنصر >حضاري<.
1- العنصر >اللغوي التربوي< : يتمثل في أن استيعاب المعرفة باللغة الأم هو -بكل تأكيد- أقرب منالا من استيعابها عن طريق أي لغة أجنبية كانت.. فإذا كانت العملية التعليمية التربوية في أساسها هي محاولة توصيل >ملعومة ما< من المحاضر (بكسر الضاد) إلى المحاضَر إليه (بفتح الضاد) بأيسر السبل.. فإن التدريس باللغة الانجليزية يمثل بالضرورة طريقا صعبا إلى ذلك. فالمحاضر العربي -بطبيعته- >يفكر> بالعربية، ثم >يترجم< ما سوف يحاضِربه إلى اللغة الإنجليزية، ثم يحاول -جاهدا- أن >يتكلم< (وهو في الحقيقة >يَتَلَعْثَم<) باللغة الانجليزية (…فمعظمنا الآن لا يجيد هذه اللغة لا قراءة، ولا كتابة، ولا نطقا!!) …ثم يتَلقى المحاضَر إليه الكلام باللغة الانجليزية (المُتَلعْثمة)، ويضطر إلى عمل >ترجمة فورية< إلى اللغة العربية… فاللغة (الأم) وعاء الفكر… حتى يفهم (وهو في الغالب لا يفهم) المعلومة التي أراد المحاضِر توصيلها إليه، وهكذا يضيع جهد جهيد بين التفكير… فالترجمة الفورية.. فالتّلعْثم (بالإنجليزية)… ثم التّلقي.. فالترجمة الفورية… فمحاولة الفهم (وهو في الغالب >لا< فَهْم)..
2- العنصر >اللغوي الأجنبي< : هو في رأيي عنصر شابه كثير من اللغو وأحب الإيضاح، وإلقاء مزيد من الضوء عليه، حيث أن معارضي التعريب يسارعون في اتهام >التعريبيين< (بدون أي حق) بأنهم يحاربون اللغة >اللغات< الأجنبية، مما سيؤدي بنا (وبهم) إلى فقد الاتصال بالعالم من حولنا، وانغلاقنا على أنفسنا.. الخ، وأود أن أؤكد أنني لم أتناقش مع >تعريبي< واحد إلا ووجدتمنه حماسا زائدا لأن نتعلم جميعا (تعريبيين ومعارضين) لغة أجنبية واحدة على الأقل (الانجليزية في حالتنا) تعلماً حقيقياً، بحيث يمكن أن نقرأ بها، ونفهم منها، ونتعامل مع الأجانب عن طريقها بلسان إنجليزي مبين!!
3- العنصر >المصطلحي< : هذا العنصر كذلك شابه >ضباب< كثيق، وتضاربت حوله الآراء.. فهناك من يحلو له أن يتهم اللغة العربية بأنها >قاصرة< عن أداء رسالتها التعليمية، لعجزها عن مسايرة الجديد من المصطلحات الحديثة، أما الحقيقة فهي أن اللغة العربية مُثْقَلة بمترادفاتها، لدرجة تجعل المشكلة تتمثل في كثرة احتمالات استعمال مصطلحات عربية >متماثلة< لمصطلح انجليزي/لاتيني واحد.. وتكون هذه >الزحمة< المصطلحية مرة أخرى سلاحا في يد من يحاول عرقلة مسيرة التعريب…
لعل من العملي أن نحاول -الآن وجميعا- كل في مجاله -في الموافقة على اتباع ما أود أن أطلق عليه الخطة >الخمسية الثلاثية<: خمس سنوات ندرس باللغة العربية مع الابقاء على استعمال المصطلح >الانجليزي/ اللاتيني< كما هو.. ثم خمس سنوات تالية نستعمل فيها ما يمكن أن أطلق عليه المصطلح العربي >الحر<.. ثم نجلس معا -كل في اختصاصه- بعد خمس سنوات أخرى لنتفق على مصطلح >واحد< يقبله ويرتضيه الجميع. أي أنه لا ضرورة للتثبت >بالاجماع< الآن، ولكن هناك ضرورة ماسة وملحة للدعوة إلى >الاجتماع< فيما بعد، ربما مرة كل خمس سنوات. وكما أن >اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية< فإن >اختلاف المصطلح يجب ألا يعرقل للتعريب مسيرة<. علما بأن الاختلاف -في هذه المرحلة- هو في حقيقته علامة صحة.. فلابد -في هذه المرحلة- أن نقبل فيما بيننا أن >رأيي (مصطلحي) صواب يحتمل الخطأ، بينما رأيك (مصطلحك) خطأ يحتمل الصواب<، والأفضل أن يكون شعارنا : اختياري (مصطلحي) واختيارك (مصطلحك) صوابان يحتملان >الأفضل<].
4- العنصر >الحضاري< : مما لا شكفيه أن الكثير منا يتحرك اليوم من موقف >المتخاذل< التابع تبعية مرَضِيّة للغرب… فهناك عند الكثير منا -ولنكن صرحاء مع أنفسنا -رغبة دفينة (بوعينا الكامل أو بدونه) >تَسْتَدْعي الاستعمار<. مما قد أسماه الفيلسوف والمفكر الجزائري مالك بن نبي > القابلية للاستعمار<.. تنشأ هذه >القابلية للاستعمار< من ثقافة بائسة يملؤها إحساس تعيس بالدّونية إذا تعلق الأمر بشَخوصنا وإمكانياتنا، كما يشيع فيها إحساس غريب بالاستعلاء إذا تعلق الأمر بالغرب، وكل ما هو غربي… هذا الإحساس الذي يمكن أن نترجمه إلى ما معناه >نحن لا نصلح لشيء، بينما الغرب يصلح لكل شيء<. أدى هذا الإحساس المَرَضي إلى تصور أن أي مشكلة إذا استعصى حلها علينا كعرب، فحلها المؤكد موجود، وجاهز، عند الغرب، وأصاب ذلك (ضمن ما أصاب) نظرة الكثير منا إلى اللغة العربية على أنها لغة >أصولية< لا تنفع لهذا العصر.
وأعود فأكرر ما بدأت به هذا المقال من أن >تعريب التدريس يجب أن يعتبر جزءاً لا ينفصل عن تعريب المجتمع ككل<.
أد.محمد توفيق الرخاوي