د. قاسم سارة
المنسق الإعلامي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط
إن منظمة الصحة العالمية، هي منظمة دولية تهتم بالشؤون الصحية، وقد انشئت عام 1948، وتضم الآن في عضويتها 150 دولة، لهذه المنظمة خطة عمل تستهدف الهدف النهائي المعلن، هو بلوغ جميع الناس أرفع مستوى صحي ممكن، ولبلوغ هذا الهدف النبيل تعتمد المنظمة على إدخال أسلوب الرعاية الصحية الأولية، بأفراده ومؤسساته، في الوقاية من الأمراض وفي تعزيز الصحة الشخصية، والصحة الاجتماعية والصحة العامة، وفي مكافحة الأوبئة والأمراض. وهذا يتطلب أن يعي المجتمع هذه القضايا، ودور منظمة الصحة العالمية هو نشر الوعي لتثبيت الصحة بين الناس، وطبعا لنشر الوعي لابد أن يتم إيصال الرسائل الصحية إلى المجتمع باللغة التي يفهمها، اللغة التي يتكلمها، اللغة التي يتواصل بها أفراده وجماعته في حياتهم اليومية، اللغة التي يستعملونها في المراسلات وفي كتابة التقارير وفي الإعلانات وفي الإذاعة وفي التلفزيون، ومن هنا جاءت اهتمامات منظمة الصحة العالمية بتعزيز اللغات الوطنية المستعملة في المجتمع ومنها اللغة العربية.
ففي عام 1986 نشأ البرنامج العربي لمنظمة الصحة العالمية، وهذا البرنامج نشأ بداية بالمركز الرئيسي في جنيف وانتقل إلى القاهرة حيث المكتب الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية والذي يضم 23 بلدا، منها 18 بلدا عربيا.
البرنامج العربي لمنظمة الصحة العالمية عمل على إنتاج كثير من الكتب ولاسيما المدونات الصحية الرئيسية مثل التصنيف الدولي للأمراض، مثل التسميات الدولية للأمراض والعوامل المسببة للأمراض أيضا، مثل التشريعات الصحية الدولية، مثل المصطلحات الطبية الموحدة، أو المعجم الطبي الموحد، وكثير من التقارير الدولية السنوية والشهرية، التي تتعلق بالأمور الصحية.
من أهم انجازات البرنامج العربي أيضا، هو وضع مقرر دراسي وتدريسي لطلاب طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان، والعلوم الصحية الأخرى مثل المختبرات والأشعة.. وأهم هذه المنجزات وضع منهجيات أو طريقة سوية لصياغة المصطلحات العلمية المستجدة التي تهاجمنا كل يوم بالعشرات والمئات منها في مختلف الميادين الصحية.
وقد أسس البرنامج العربي شبكة تعريب مصطلحات العلوم الصحية، التي تضم بين أفرادها أساتذة جامعات، أطباء ممارسين، صيادلة، أطباء أسنان، طلاب طب، طلاب في العلوم الصحية، وأيضا تضم العاملين في انتاج الكتب وانتاج البرمجيات وانتاج الحواسب التي تقوم بإيصال المعلومات إلى المجتمع باللغة العربية، ونحن اليوم في فاس في شهر أبريل بصدد الحلقة العملية الرابعة في هذه الشبكة، وكانت تستهدف إجراء دورة تكوينية في التعامل مع المصطلح لكي نستطيع أن ننتج مصطلحات عربية مقبولة مفهومة تستطيع الانتشار والبقاء ويستخدمها جميع الناس بسهولة ويسر. وقد الْتَأَمَتْ على يومين، ونحن في اليوم الثاني، ونحن بصدد استكمال كتابة بعض التوصيات التي نأمل أن تكون بالنسبة لنا ورقة عمل نعمل على إنجازها وتحقيقها في العام القادم حتى نلتقي في السنة القادمة إن شاء الله. ونجد ما سبق أن قررناه واستطعنا أن ننجزه والسلام عليكم.
د. عبد الرحيم الرحموني
عضو المكتب الإداري لمعهد الدراسات المصطلحة :
أولا : لابد من الإشارة إلى أن معهد الدراسات المصطلحية يضم أعضاء تتعدد تخصصاتهم وتتنوع بدءا من اللغة والأدب والنقد والعلوم القرآن والفقه والأصول، ومرورا بالعلوم الدقيقة مثل الرياضيات والفيزياء فأعضاؤه متعددو التخصصات والاهتمامات، ولذلك من الطبيعي أن يتنوع اهتمام معهد الدراسات المصطلحية :
الاهتمام الأول انطلق من طبيعة وظروف ولادة المعهد بكلية الآداب، فاهتم أولا بالدراسة المصطلحية وعلاقتها بالعلوم الانسانية، ثم بعد ذلك الدراساتالمصطلحية وعلاقتها بالعلوم الاسلامية، وجاءت المرحلة الثالثة التي اهتم بها المعهد بالدراسة المصطلحية والعلوم الدقيقة.
كانت آخر ندوة، التي انعقدت بالمدرسة العليا للتكنولوجيا، في هذا الموضوع بالذات وحضره أساتذة من مختلف التخصصات، العلمية الدقيقة : الفيزياء والكيمياء، وعلوم الأرض، والطب والرياضيات..
نتيجة لذلك عقد المعهد علاقات علمية وطيدة مع عدد من الهيئات والجامعات والكليات والمجامع التي تُعنى بأمور المصطلح بصورة عامة، ولذلك جاءت هذه الدورة التكوينية بشكل طبيعي، التي نظمها معهد الدراسات المصطلحية والمكتب الاقليمي لشرق المتوسط، لمنظمة الصحة العالمية، وهذا التعاون كما قلت جاء طبيعياً لاهتمام المعهد بالمصطلح في مختلف ميادين العلم والمعرفة، بالتأكيد كما قلت آخر ندوة كانت حول المصطلح والعلوم الدقيقة واختلاف أنواعها، جاءت هذه الدورة في قضية تعريب مصطلح العلوم الصحية، نأمل أن تكون هناك دورات أخرى أو ندوات في التخصصات العلمية الأخرى في علوم الرياضيات والعلوم الفزيائية، ونأمل أن تعقد ندوات أخرى يُشرف عليها المعهد لاحقا.
ذ. الوافي الرگيبي (استشاري الطب النفسي)
بالنسبة للمغرب، الجانب السياسي له دور، ففي فترة المرحوم الحسن الثاني كان هناك حزب يتبنى التعريب ووقع هذا الانفصام عندما يصل الطالب إلى الكلية، يجد التدريس باللغة الفرنسية. لابد لكل دولة من استغلال الظروف السياسية الموجودة لمحاولة تمرير التعريب. فيما يخص تعريب المصطلحات الطبية، هناك انفتاح على إنشاء كلية طب خاصة بالمغرب، فمن خلالها -وغيرها- مع وجود أطباء يتقنون اللغتين العربية والفرنسية يمكن السير في تجاه التعريب.
محمد بياز أستاذ بكلية الطب بفاس :
هناك اختلافات في الأقطار العربية بحيث لا يمكن التعميم لتجربة التعريب بنفس الشاكلة. وكذلك لابد من التواصل بين من لهم هم الاهتمام باللغة العربية ومسألة التعريب وبقية طاقم التدريس في الكليات في مختلف العلوم حتى يمكن إعطاء زخم علمي وفكري يمكن من خلاله تمرير رسالة اللغة العربية. فهناك في المغرب محاولات فردية على مستوى الأطروحات وبعض الأبحاث بالعربية ومحاولات التعريب في التدريس، فأنا أشرفت على تعريب بعض مصطلحات الأمراض الصدرية في كلية الطب، كما أن هناك محاولة لتعريب المتلازمات الطبية في الأمراض الصدرية. وهناك محاولات من أطراف آخرين في كليات أخرى. أقترح أن تكون هناك خطط على المستوى المحلي ترتبط بالمحيط الداخلي لكل دولة وبتنسيق مع رجال السياسة ومنظمات المجتمع المدني.
زكريا أرسلان، أستاذ بكلية الآداب مكناس :
التنظيم داخل البيت يُقَدّم على التنظيم خارج البيت. وهذا له علاقة بما يجري في تعريب المصطلح، حيث توجد مجموعة من المشاكل : فوضح المصطلح العربي يبدو مرتجلاً والنفور من المصطلح العربيلا علاقة له، فيما أظن بالسياسات المتبعة في الدول العربية أو سياسة التعريب أو أننا نحتاج إلى قرار سياسي. نحن نبحث عن أعذار لمشكلة هي حاصلة داخل المصطلح الطبي فالمقابلات العربية للمصطلحات الطبية تكثر وتتزايد أمام المفهوم الواحد فمن يضع المصطلح الطبي؟ هل هو الطبيب دون استشارة اللساني أم اللساني المتخصص في اللغة، يجب حل هذا المشكل أولاً لكي نمنح صورة دقيقة للمصطلح الطبي، بعد ذلك نطلب من الآخر أن ييسر لنا القرار السياسي.
د. نشأت حمارنة (سوريا):
فيما يخص القرار السياسي، لا وزراء التعليم العالي ولا وزراء الصحة العرب ولا النقباء يمكن أن يأخذوا القرار السياسي، القرار يأخذه الحكام، والحكام مسؤولون عن استمرار التجزئة في هذا الوطن، إذا تكلمنا جميعاً العربية الفصحى هذا يعني أننا نصبح أمة واحدة بالفعل، لذلك منع محمد علي باشا الكبير من أن يستمر في التدريس بالعربية ولذلك، في بيروت بعد أن درست الكلية العلمية الأمريكية بالعربية منعت. اللغة العربية ركن أساسي في وحدة هذه الأمة والركن الأساسي الآخر هو الإسلام، وترون كيف يتآمرون لتمزيق هذه الأمة. لقد ألغوا العربية وهم يحضرون لإلغاء الاسلام، فإذا ظلت الأمة على إيمانها بالاسلام فستتوحد، ولذلك فهم يعدون لجعل الاسلام إسلامات، ولجعل العربية 20 عربية، فالمسألة ليست قضية فنية أو علمية بل قضية وطنية نضالية.
د. الحاج بنمومن (باحث في علم المصطلح) :
فيما يخص تكسير الحاجز النفسي عند طلبتنا وعند من يتخذ القرار في مسائل التعريب، لابد من تبسيط بعض المفاهيم اللسانية، فأي لغة في العالم تتكون من صوامت ومتحركات ومقاطع صوتية.. فليس من حق أي أحد أن يقول إن اللغة العربية عاجزة عن تمرير الخطاب التقني أو العلمي للمتلقي. فمنطقياً يسقط القناع وتسقط جميع الافتراءات، فعلى طلبتنا أن يكونوا على وعي بهذه المسائل.
< د. ادكير عبدالله (كلية الآداب مكناس) :
إن العربية تمتاز بسعتها، ويكفي أن الله سبحانه وتعالى اختارها لتكون أداة لكتابه، فهي تمتاز بأشياء كثيرة أحسب أنها تفرقت في غيرها. فهي لغة اشتقاقية، وقالبية وتعتمد كثيراً على السوابق واللواحق التي تؤهلها جيداً للتعبير عن أي معنى من المعاني، وهذه خاصية امتازت بها اللغة العربية بل إن القدماء كابن جني والفارسي وقفوا مشدوهين أمام قوتها البيانية الإيحائية التعبيرية. إننا في الحقيقة لا نؤمن بلغتنا القوية، ما يجب هو أن نؤمن بأن هذه اللغة قوية وأنها قادرة على البيان الدقيق في كل جزئية من الجزئيات، ولكن من جهل شيئاً عاداه. سئلت عن كلمة وأنا لا أفهم الطب : ما معنى الفستلة، فقلت : إذا كان الواضع يفهم اللغة العربية فإنها على وزن فعْلَلَة وفيها فَسَلَ وفيها سلَّ وفيها فَتَلَ، فقال : هذا صحيح إنها تعني عملية زرع القلب وهذا من القوالب التي تعنى بها العربية.إن العربية لغة علامَتِيّة تمتاز بقدرتها على أن تجعل لكل معنى من المعاني علامة مُمَيِّزة، لكن نحن نجهل هذه العلامات أو لا نريد أن نعرفها ففي مجال النحو مثلا حينما نتحدث عن تاء، كيف تكون للمتكلم مرفوعة وللمخاطب منصوبة وللمخاطبة مكسورة وللمؤنثة الغائبة مفتوحة، فإذا غيرنا هذه التاء وربطناها مع الأسماء أو الصفات أو المصادر صار لها شأن آخر في التعبير عن المعنى. في المغرب مثلا سمعت كلمة وكنت لا أعلم معناها : الدردرة وهي اسم مكان، فقلت هذه كفعللة، وحين رجعت إليها في المعجم علمت أن هذه الكلمة تدل على التكرير فحينما شاهدت المكان لاحظت أنه وادي تمر به الأحجار مع المياه، فهي تحكي الصوت الواقع.
وبالنسبة للطب، الأدواء جمع دواء غالباً ما يلتزم فيها بِفُعَال كزُكَام، فكل معنى من المعاني يمكن إما أن نرتجل له مصطلحاً من المصطلحات على غرار القوالب المعهودة، وإما أن نركبه وننحته، وإما أن نضيف لواحق أو سوابق تكون دالة.
د. محمد مرزوق اختصاصي في الجهاز الهضمي، أستاذ سابق بكلية الطب بالبيضاء :
هل اللغة العربية صالحة لتعريب الطب؟
إن مقارنة بسيطة مع اللغات العالمية تحيلنا إلى نتيجة طبيعية ومنطقية، فحينما نرى اللغة الصينية وهي لغة معقدة ومكونة من مايزيد على ألف حرف تدرس بها العلوم في الصين، واليابان وروسيا وإسرائيل كذلك، فقد ألقى د. يحيى هارون محاضرة في الدروس الحسنية الرمضانية أمام المرحوم الحسن الثاني، ذكر أن دولة إسلندا والتي يَبْلغ عدد سكانها أقل من المليون بكثير يتعلمون سائر العلوم بلغتهم الأم والتي لا يعرفها غيرهم في العالم، فهذا درس لنا نحن الذين يبلغ عددنا أكثر من 300 مليون نسمة. هل هذه اللغة بحروفها البسيطة والسهلة، هل إذا قارناها مع اللغات المعقدة المذكورة، هل العربية قاصرة إلى درجة أن نطرح سؤال صلاح العربية للعلوم؟
د. إبراهيم أزوغ أستاذ بكلية الآداب بفاس :
إن أركان الوحدة الأساسية بالنسبة لأي أمة ضمنها اللغة باعتبارها وسيلة التواصل. اللغة ليست عنصراً محايداً، فهي حاملة حضارة ومفاهيم، لذلك فعدم تعليم العلوم بالعربية هو تشتيت لمجتمعنا وتغريب له. إن المسألة عندما يَتَجاذَبُها السياسي والشعبي تضيع أو تعرقل. فوجب تجاوز هذا التشتت، فنحن نفكر في شيء ونقول شيئاً آخر، ونفعل شيئاً ثالثاً، فحينما نترك مسألة التعريب في أيدي جهات متعددة نكون قد أنقصنا إمكانياتنا في هذا العمل. والأعمال الجليلة تبدأ على أيدي أفراد قلائل. إن مسألة التعريب مسألة رسالة وقناعة.