بالمغرب باحثات وكاتبات يمتزن بالجدية والعمق والبيان والاستقراء (من استقرى لا من استقرأ) وبروح تتميز غيرة على الأمة والمجتمع وبالقدرة على النفاذ إلى دقائق النفس وتلافيق العواطف والبراعة في التقاط مشاهد اجتماعية لا تثير انتباه الكثيرين من الرجال. وقد أكرمني الله بالإشراف على باحثات كن في المستوى اللائق ومنهن من نشرت أبحاثها.. وقد سعدت كثيراً بباحثات ناشئات تخرجن بأساتذة كرام من خيرة طلابي الذين أصبحوا في ميادينهم شيوخاً يؤخذ العلم الصحيح من حلقات دروسهم العلمية.. وقد قرأت لهن فازددت إعجاباً وتقديراً بهذا الصنف الجاد من الباحثات النساء..
وكم أسعد وأنا أقرأ لكاتبات المحجة الفضليات (انظروا مقالات الأستاذات الجليلات : أم سلمى، فوزية حجبي، أمينة المريني، نبيلة عزوزي وأخريات..) -ولا أخفي أنني أبدأ بقراءة مقالاتهن لما أجد فيها من متعة فكرية ونهكةروحية دالة وتجدد مستمر نشط- المحجة التي خصصت صفحات للأقلام النسائية، ولكن سعادتي تضاعفت لما علمت أن هناك من يشاركني الاهتمام بهذه الأقلام في أقطار عربية ولا سيما بالخليج، فقد أخبرني شيخ وأستاذ أحبه من خيرة من عرفت ورأيت علما وفضلا وخلقاً وحفاظاً على عزة العلم وشرف المعرفة بأن طالباته في الخليج العربي معجبات بالكتابات النسائية بالمحجة… وبقدر ما شعرت بالاعتزاز وجدت نفسي ملزما بإسداء النصح إلى هذه الأقلام.. ومن أهم ما ألفت نظرهن إليه هو وجوب مواصلة النشر دون انقطاع إلا لعذر قاهر، فالدكتورة الكاتبة الباحثة السيدة أمينة اللوه من الأقلام النسائية الرائدة في المغرب وترى في عروقها دماء الجهاد العظيم الذي انطلق من قبيلة بني ورياغل بقيادة آل الخطابي، وهي أول امرأة مغربية نالت شهادة الدكتوراه من مدريد، وكتاباتها ومذكراتها أو ذكرياتها تركت آثاراً طيبة في قراء المحجة.. وقد انقطعت عن الكتابة التي أعتبرها هي علامة الحياة والعافية والحضور في المجتمع، نعم للدكتورة الكريمة آثار مشكورة وإسهامات مباركة في الميدان الاجتماعي لكن رسالتها الثقافية والعلمية يجب ألا تتوقف.
فحق الأجيال علينا أن نرشدها ونبصرها ونزودها بالمعلومات الصحيحة والأفكار السديدة والتجارب المفيدة ونفتح أمامها آفاق العمل ونصلها بماضيها الحضاري المشرق ونعدها لتكون خير خلف لخير سلف، وما أروع وأعظم قول الله سبحانه وتعالى : {واعبد ربك حتى ياتيك اليقين} والكتابة لون من ألوان العبادة لأنها كلمة طيبة، والكلمة الطيبة صدقة بل إنها فرض كفاية وقد أصبحت فروض الكفاية في هذا العصر أقوى وآكد من فروض العين لقلة العاملين والمتطوعين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والدالين على الخير والمحذرين من الشر..
وكم أود أن يلتحق بالركب النسائي بالمحجة باحثات وكاتبات أبدين جدارتهن في ميدان الكلمة الجادة الرائعة مثل الدكتورة مليكة الصوطي صاحبة رسالة الدكتوراه : القيم الأسرية بين القرآن والشعر الجاهلي وصاحبة أبحاث ومقالات رائعة منشورة في عدة مجلات كالفيصل، والدكتورة زاهية أقلاي التي قرأت رسالتها للدكتوراه في موضوع هام بالأدب المغربي والأندلسي، كما قرأت بعض أبحاثها الجادة والجديدة، وهناك أقلام نسوية أخرى رائعة، ليتها تنزل إلى الساحة الفارغة حتى ينقشع الظلام بتكاثف النور وتعاقب الضياء وانتشار الخير والجمال.
د.عبد السلام الهراس