(4)
شبهات حول النظرة الاسلامية للمرأة -نماذج وأمثلة-
إننا في هذه الدراسة سنقف عند بعض الفهوم التي أعطيت لعدد من النصوص الدينية- على الاختلاف في صحة بعضها- والاجتهادات الفقهية، في قضايا المرأة موجزين القول عنها مقتصرين على أهمها:
خلق المرأة من ضلع أعوج
أول ما أثير في قضية المرأة أنها خلقت من ضلع من أضلاع آدم اليسرى في حالة نومه اعتمادا على ما فهم من حديث أبي هريرة من أن رسول الله قال: >استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء<. إلا أن الرواية الواردة في الصحيحين:” المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها…الحديث. يوذن بحمل الكلام على الاستعارة، أي أنهن خلقن من شيء أعوج كالضلع في الاعوجاج، أي أنهن خلقن خلقا فيه اعوجاج لا من ضلع آدم، فلا جدوى من محاولة تقويمهن بالشدة، وقد مال الإمام الرازي الشافعي إلى هذا قائلا : “ولما ثبت أنه تعالى قادر على خلق آدم من تراب، كان قادرا أيضا على خلق حواء من التراب، وإذا كان الأمر كذلك فأي فائدة في خلقها من ضلع من أضلاع آدم” وذلك في معرض تفسيره لقوله تعالى: {…الذي خلقكم من نفس واحدة} ومثل هذا ذكره القرطبي قائلا: “يحتمل أن يكون معناه أن المرأة خلقت من مبلغ ضلع فهي كالضلع”. والأخذ بهذا الاحتمال الذي يتقبله العقل ولا يتنافى مع النصوص، من شأنه أن يخلص العقول من تأثيرات النقول والتأويلات التي تحط من قيمة المرأة.
ومما سيؤكد هذا المعنى أن النص القرآني “أعطى للمرآة مكانة متساوية للرجل في تشكيل الإنسانية وخروجها إلى عالم الوجود عندما قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامإن الله كان عليكم رقيبا}(النساء: 1). حيث إن التأمل في هذه الآية يعلمنا أن أصل البشرية يرجع إلى نفس واحدة وبالتالي لا فضل لرجل على امرأة في مراحل التناسل البشري اللاحقة، ولعل تحديد المراد من النفس الواحدة وهل هي آدم أو حواء يسير في الاتجاه الذي يرى عدم إعطاء الفضل لأي منهما في الخلق”.
المرأة والخطيئة الكبرى
تزعم الأساطير والمرويات في سبب خروج آدم من الجنة، أن حواء أغواها إبليس واستغل ضعفها البشري وسذاجتها وفطرتها، ووسوس إليها بالأكل من الشجرة المحرمة، فخالفت أمر الله تعالى وأكلت منها، وأغوت آدم بالأكل منها، فكان ذلك سبب خروجهما من الجنة.
وهذا الزعم فيه كثير من التجني على المرأة، فالقرآن الكريم يبين أن سبب الوقوع في الغواية هو النسيان {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما}((طه:115) والعصيان كان من آدم عليه السلام الذي خالف أمر ربه بالأكل من الشجرة، يقول تعالى: {وعصى آدم ربه فغوى}(طه:121) حيث أثبت العصيان لآدم في هذه الآية دون زوجته باعتباره كان قدوة لها فلما أكل من الشجرة تبعته وهو خلاف ما ورد في فتح الباري الذي قال: إن حواء هي التي زينت الأكل من الشجرة بعدما أغواها إبليس”.وما يذكره النص اليهودي الذي اعتبر المصدر الأول للخطيئة في عالم الوجود هو استجابة حواء/ المرأة لوسوسة إبليس حيث يقول : فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل”.ونحن مع المحققين القائلين: لا نترك كلام ربنا تعالى لمرويات لا ندري مدى صحتها.
والواقع أن الإسرائليات التي تسربت إلى أذهان بعض الأقدمين وأثبتوها في كتبهم، تجعل الباحث يتوقف فيها، خاصة عندما يراها لا تتفق مع النصوص المحكمة، ولا يقرها ميزان الشرع والعقل الذي علينا أن ننتزعه من براثن النقول الإسرائيلية المحشوة بالخرافات التي ظلت تهيمن على الفكر الكنسي الكاثوليكي حتى العقود الأخيرة، حيث ظلت الكنيسة تعتقد أن المرأة هي سبب الخطيئة الكبرى، ومن ثم فإنها معدن الجريمة وبداية الشر.
صوت المرأة:
في الفقه الإسلامي أن صوت المرأة عورة، وترتب عن ذلك بطلان صلاة المرأة بصوت مرتفع إذا سمعها أجنبي، عكس ما إذا لم يسمعها فإن صلاتها صحيحة لحصول الامتثال للحكم الفقهي الاجتهادي.وهذا الاجتهاد لم يقم عليه دليل، بل المنقول عكس ذلك.
ومثل هذا التحريم النظر إلى وجه المرأة الأجنبية في بعض الاجتهادات الفقهية بحجة الفتنة لما يترتب عن ذلك من الفساد.
عواطف المرأة:
قل ما اهتم الفقه الإسلامي بعواطف المرأة وأحاسيسها ومشاعرها ربما يكون أن من بحث من الفقهاء في ذلك هو ذكر، مما ساد معه أن الآراء الفقهية تنطلق غالبا من منظور ذكوري، وهذا ما جعل بعض الفقهاء يربطون حق الزوجة بالنفقة بالبضع والتمكين الجنسي للرجل تمكينا قوليا لا فعليا فقط، وأوجبوا عليها أن تقول : سلمت نفسي إليك حيث شئت. بحيث إذا مكنته بالفعل وهي ساكتة لم يكف في وجوب النفقة..
وترتب عن هذا التصور الخاطئ تشبيه بعض الفقهاء الزواج بالإجارة أو الزوج بالمكتوب والزوجة بالمكرى دارا، والقول بعدم جواز خروج المرأة من البيت وبقائها مستعدة لتلبية حاجات الزوج…
ذ.عبد الحي عمور