3- العدة والإحداد
بعد أن تحدثنا عن الطلاق وأنواعه سابقاً، نتحدث الآن عن بعض القضايا ذات الصلة بالطلاق، فالمطلقة رجعةً تعتبر محبوسة عند مطلقها، ولذلك كان من الواجب عليه أن يعطيها النفقة لأنها محبوسة عن غيره، وذلك عملاً بالقاعدة الفقهية التي تقول : إن كل من كان محبوساً على شخص فنفقته على حابسه، فالمطلقة رجعةً هي في حكم كونها على ذمته.
ومن النكت الفقهية، أن الرجل يعتد (عدة مجازية) فالرجل الذي له أربع نسوة لا يجوز له أن يتزوج الخامسة. فإذا طلق واحدة منهن وتزوج امرأة أخرى قبل أن تنقضي عدة هذه المطلقة يكون قد تزوج خمساً، وبالتالي يكون قد سقط في الحرام؛ إذن فهو في عدة، وعدته هي انقضاء عدة مطلقته.
وكذلك من طلق زوجته وأراد أن يتزوج أختها قبل انقضاء العدة (تحسب بالأشهر القمرية)، فإذا فعل يكون قد جمع بين الأختين.
وكذلك لو قال الرجل لزوجته : إن كان هذاالذي طار في الفضاء غراباً فزوجته حفصة طالق وإن كان طائراً آخر ففاطمة طالق. فما دام الغراب أو ذلك الطائر في الفضاء لم يَسْتَبِنْ فهو موقوف عن زوجتَيْه معاً، فإذا استبان الطائر عرفنا المطلقة المقصودة.
وعلى العموم، هذه العدة جعلها الله عز وجل حكماً مفروضاً على النساء لأسباب قد تكون ظاهرة وأخرى خفية : فربما كان سبب تشريع العدة هو الوصول إلى براءة الرحم أي ليس فيه أي جنين حتى لا تختلط الأنساب، ولذلك قالوا إن العدة لا تجب على الذي لا يتصور منه الوطء مثل الصبي الصغير أو من لا يستطيع مباشرة زوجته؛ أي لابد أن تكون بعد زواج من قادر.
ثم هذه العدة قد يكون فيها -إن كانت عدة الوفاة- معنى آخر وهو المواساة لأهل الميت احتراما لتلك العشرة التي كانت بينهما.
وقد تكون أحياناً أمراً تعبدياً لا ندرك لماذا ألزمنا الله به.
ويلزم عن هذه العدة أمر مهم وهو : الإحداد في حالة الوفاة.
فالمرأة المطلقة تعتد فقط في بيتها. أما التي توفي عنها زوجها فلْتضعتَد ثم تقوم بعملية الإحداد وجوباً. والإحداد ليس هو تجديد الأحزان، فإذا مات الانسان فلا يجوز لأبيه أو ابنه.. أن يحزنوا عليه أكثر من ثلاثة أيام، كأن يتفرغوا لتقبل التعازي، ثم يتفرقون لأعمالهم. فذكرى الأسبوع والأربعين أو تخليد ذكرى يوم وفاته على رأس كل سنة.. كلها بدع لا أصل لها في الدين لأن كل ذلك تجديد للأحزان لا يقبل به الشرع (مات الميت فليحيى الحي).
لكن الزوجة بالخصوص يجب عليها أن تطيل هذا الإحداد وهو نوع من الاحترام لهذه الرابطة، فنهاها الشرع عن أن تتزين أو أن تكتحل أو أن تتخذ شيئاً من الطيب أو شيئاً من الأصباغ أو شيئاً من الألوان أو شيئاً من الحلي والذهب أو الحناء وما إلى ذلك… كل ذلك يحرم عليها. فتلبس لباساً ليس فيه معنى الفرح والسرور؛ فتحد المرأة مدة عدتها ولا تبيت خارج بيتها وإذا خرجت تخرجمن قبيل الفجر إلى الغروب ولكن تبيت في بيتها، إلا إذا كان هذا البيت عورة كأن يكون بمنطقة نائية فيمكنها أن تنتقل إلى منطقة آهلة.
ويمكنها أن تخرج لقضاء حوائجها دون السفر ولو كان لقصد تعبدي كالحج مثلا. وقد كان النبي يشدد في هذا الأمر تشديداً كبيراً، وقد جاءته امرأة وقالت : إن ابنتي مات عنها زوجها، وقد اشتكت عينها (مرضت) أفَنَكْحُلُها؟ قال : لا -ويجوز لها العلاج، إذا خافت العوَرَ، وقد كانت إحداكن ترمي بالبعرَة على رأس الحول، قال أحد الرواة : قلت : وما تُرْمي بالبعرة على رأس الحول؟ قال : كانت المرأة في الجاهلية إذا مات عنها زوجها تُدخل حفشاً ولا تستعمل طيباً ولا شيئاً حتى تمضي سَنَتُها فتؤتى بدابة طائر فتفتض به (تمسح به ما علق بفرجها من الدم لأنها لم تغسل طيلة سنة) فقلما تفتض بشيء إلا مات.
وبعد ذلك يوتى لها ببعرة حيوان فترمي بها إلى اليسار كناية على أن هذه السنة كانت سهلة عليها رغم أنها حرمت من كل شيء تقريباً حتى السكن مع أهلها كانت تفتقده لأنها كانت معزولة في حفش.
أما المرأة في الإسلام فعدتها أربعة أشهر وعشراً فقط وتعيش مع أهلها وتؤاكلهم، إنما يمنع عنها مسائل الزينة فقط، فأيهما كان أشق؟ ما كان في الجاهلية أم ما جاء به الاسلام؟
فالإحداد فيه معنى أن الرابطة الزوجية لا تنتهي بالموت.
وهناك أحكام أخرى تتعلق بالموضوع مثل الرضاع والحضانة و… وكل هذا به جهل كبير من قبل الرجل والمرأة على السواء، جَهْلٌ سببه عَدَمُ التعليم، والعلماء. الذين لم يقوموا بواجبهم في التوعية الجماعية.. لذلك لا نستغرب الدعوات المطالبة بتعويق أحكام الاسلام في الموضوع، نظراً لما ينتشر من ظلم الرجال للنساء (والعكس صحيح) ولكي نوقف الظلم لا يجب أن نبحث عن العدل في مكان آخر إلا في الاسلام.
فلو كانت المرأة عالمة ومتدينة فإنها ستطالب بتحكيم شرع الله، ومادامت فارغة وقيل لها إنك مظلومة، صارت تتصور الشريعة الاسلامية ظالمة لها، ومن هنا كانت الهجمة على الشريعة الاسلامية، فلو علمت أن الطلاق لا يجب أن يكون بدعياً وأن ذلك يقلص عدد حالات الطلاق لعلمت أن طلب وضع الطلاق بيد القاضي -للقضاء على تعسف الزوج في استعمال هذا الحق- فيه مزيد فرص تشتيت الأسر عكس المقصد الذي يقصده الشارع من الطلاق.
لذلك إن ظلم النساء سببه أن الشرع غير مطبق، فلو قلنا للرجال : اتقوا الله في النساء وطلقوا الطلاق السني الذي تحدثنا عنه سابقاً لكان كافياً لوقف نسبة الطلاق عند حدودها الدنيا. فالأوْلى أن نطلب الحق في كتاب ربنا وسنة نبينا .
المرأة قالت : لا، لأنها لا تعرف الشرع، ومسؤولية العلماء أن تُبَلّغ هذا الأمر، فالطلاق بيد القاضي لا ينهي المشكلة، بل قد يفرز مشاكل أخرى لأنه هو الطلاق عند الأوربيين.
ومن الأمثلة على ذلك : أن يطلق الزوج زوجته ثلاث طلقات، فالمتشبهون بالأوروبيين يقولون إن هذا الطلاق لا يتم إلا عند القاضي، أما من الناحية الشرعية فهو مُعْتبرٌ عند الله تعالى. فلا يمكن أن يرجعها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره، نكاحاً حقيقياً، بحيث لو أن الزوج تصرف بطريقة تحايل كأن يتفق مع شخص على الزواج من زوجته زواجاً شكلياً ثم يطلقها حتى يتمكن من إرجاعها، فهذا حرام. وهذا ما سماه النبي : التَّيْس المستعار. وقد لعن الله المحلِّل والمحلَّل له، ويشترط الفقهاء في هذا الزواج نحواً من عشرة شروط، والنكاح هنا الدخول بالمرأة، حيث أن العقد والصداق فقط لا يشفعان لصحة هذا الزواج.
فإذا قال الفقيه -أي أفتى له الفقيه بأن زوجته طالق- للرجل إن زوجتك عليك طالق، والقضاء لم يحكُمْ بعْدُ، فما هي وضعية المرأة في هذه الحالة؟ إنها مطلقة شرعاً وغير مطلقة قانوناً!!
إنها دعوة للفساد، لأنها لو ولدت -وهي في هذه الوضعية مدة طويلة- والرجل يعرف أنه لا يعاشرها، لمن ينسب الولد؟ هل يستطيع الرجل إنكار الولد؟ قانوناً؟! لا، لأنه -قانوناً لم يطلِّق- أما شرعاً فإنه طلق بمجرَّدِ نُطقه بالطلاق.
د.مصطفى بنحمزة