2- أحاديث الساعة وثواب الاعمال
في هذا المقطع الذي ينضوي تحت الغصن الثالث من الكلمة الرابعة والعشرين يقف النورسي عند الاحاديث الشريفة التي تبحث في …علامات الساعة واحداثها، وفي …فضائل الاعمال وثوابها، والتي ضعّفها …عدد من اهل العلم المعتدّين بعقولهم، ووضعوا بعضها في عداد الموضوعات، وتطرف آخرون من ضعاف الايمان المغرورين بعقولهم فذهبوا الى انكارها(1).
ويشير النورسي الى انه لا يريد ان يناقشهم في التفاصيل وانما سينبه الى عدد من الاصول والقواعد العامة التي يمكن الاستهداء بها في فهم هذه الاحاديث الشريفة موضوعة البحث.
وكما أن النورسي تجاوز في المقطع السابق منهج المؤرخين وادواتهم في التعامل مع السيرة، فانه هنا يتجاوز منهج المحدثين، وعلومهم المساعدة، وادواتهم ويلجأ الى اسلوبه في التدليل والمقارنة والاستنتاج، وهو اسلوب يستدعي الشاهد العقلي حيناً والشاهد الحسي حيناً آخر والشاهد الوجداني او الروحي حيناً ثالثاً. وهو في كل الاحوال يضع قارئه قبالة الحقائق الساطعة كحد السيف، الواضحة وضوح البديهيات.
وهو يقول في الاصل الاول تمهيداً لأصوله وقواعده العامة التي يستهدي بها في فهم تلك الاحاديث: …ان الدين امتحان واختبار، يميز الارواح العالية من الارواح السافلة، لذا يبحث في الحوادث التي سيشهدها الناس في المستقبل بصيغة ليست مجهولة ومبهمة الى حد استعصاء فهمها وليست واضحة وضوح البداهة التي لا مناص من تصديقها. بل يعرضها عرضاً منفتحاً على العقول، لا يعجزها ولا يسلب منها القدرة على الاختبار فلو ظهرت علامة من علامات الساعة بوضوح كوضوح البديهيات، واضطر الناس الى التصديق، لتساوي عندئذ استعداد فطري كالفحم في خساسته مع استعداد فطري آخر كالالماس في نفاسته، ولضاع سر التكليف وضاعت نتيجة الامتحان سدى. فلأجل هذا ظهرت اختلافاتكثيرة في مسائل عديدة كمسائل المهدي والسفياني وصدرت احكام متضاربة لكثرة الاختلاف في الروايات.
ويقول في الأصل الثاني …ان للمسائل الاسلامية طبقات ومراتب، فبينما تحتاج احداها الى برهان قطعي – كما في مسائل العقائد – تكتفي الاخرى بغلبة الظن واخرى الى مجرد التسليم والقبول وعدم الرفض. لهذا لا يُطلب برهان قطعي واذعان يقيني في كل مسألة من مسائل الفروع أو الأحداث الزمانية التي هي ليست من اسس الإيمان، بل يكتفى بالتسليم وعدم الرفض(2).
يمضي النورسي بعد هاتين الاضاءتين الضروريتين لعرض اصوله الأخرى، فيتحدث عن تسرب الاسرائيليات وبعض اقوال الرواة واهل الكشف او المعاني التي استنبطوها الى متن الاحاديث الخاصة بالموضوع، كما يشير الى ضرورة التعامل الحذر مع التقنيات البلاغية كالحكايات والامثال والتشبيهات، وألاّ تؤخذ على عواهنها كحقائق مادية.. والحكمة من اخفاء الكثير من التفاصيل عنالامور والوقائع …الزمنية، المغيبة، ويقف طويلاً عند هذه المسألة ويقلبها على وجوهها فلا يترك صغيرة ولا كبيرة الا عرضها للجدل وساقها الى دائرة الاقتناع.
و يشير النورسي الى أن حصيلة قسم من المسائل الايمانية متوجهة الى امور تتعلق بهذا العالم الضيق المقيد، والقسم الآخر منها يرنو الى العالم الأخروى الواسع الطليق. وحيث ان قسماً من الاحاديث النبوية الواردة في فضائل الاعمال قد عبر عنها الرسول الكريم باسلوب بلاغي يناسب الترغيب والترهيب فقد ظن من لا ينعم النظر ان تلك الاحاديث الشريفة تحمل مبالغة! كلا!! يقول النورسي …انها جميعاً لعين الحق و محض الحقيقة وليست فيها مبالغة قط، من مثل …لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما شرب الكافر منها جرعة ماء(3)..(4).
وهو يشير في أصل آخر الى انه كما في القرآن الكريم آيات متشابهات تحتاج الى تأويل او تطلب التسليم المطلق، كذلك في الحديث الشريف مشكلات تحتاج احياناً الى تفسير وتعبير دقيقين(5).
واخيراً فثمة معيار مقارن لا يقل اهمية وهو ان نظر النبوة والتوحيد والايمان يرى الحقائق في نور الالوهية والآخرة ووحدة الكون لأنه متوجه اليها، اما العلم التجريبي والفلسفة الحديثة فانهما يريان الأمور من زاوية الأسباب المادية الكثيرة والطبيعة لأنهما متوجهان اليها، فالمسافة اذن بين زاويتي النظر بعيدة جد(6)
———-
1- نفسه ص 386.
2- نفسه ص 387 – 388.
3- اصل الحديث: …لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء، حديث صحيح اخرجه الترمذى …2422، …تحفة، وابو نعيم في حلية الاولياء …3 / 253، والحاكم …4 / 306، وابن عدى في الكامل …1 / 249، …انظر الكلمات ص 394 هامش 1،.
4- انظر: الكلمات ص 394 – 397.
5- انظر: نفسه ص 400 – 401.
6- انظر: نفسه ص 401 – 402.
أد.عماد الدين خليل