المستشار سالم البهنساوي داعية إسلامي كبير في ذمة الله فقدت الساحة الإسلامية فذا من أفذاذ الدعوة الإسلامية الأخ الحبيب المستشار سالم البهنساوي.
عرفته منذ ثلاث وعشرين سنة، وتجددت معرفتي به على يد أخي الشيخ الرباني عبد العزيز الثوري بارك الله في عمره وفي أعماله العظيمة ودعوته الهادفة. وقد تآلفنا وكأننا تربينا في بيت واحد ودرب واحد وتصاحبنا منذ الطفولة إلى يوم الفراق في الدنيا. ولما كان يبذله نحوي من الود والترحاب كلما التقينا أشعر بتقصير في حقه، وقد بادر أول مرة بإهدائي بعض كتبه طالبا مني أن أبدي رأيي فيها بنصح واجب ولا سيما كتابه ” السنة المفترى عليها ” الذي كان ينتظر مني أن ” يشرف ” بكتابة مقدمة لطبعته الثالثة، قال رحمه الله في رسالته لي مع الكتاب بتاريخ 2 / 3 / 1403 الموافق 22 / 12 / 1982 :
” ولهذا أطمع أن نشرف بتقديم منكمللطبعة الثالثة لكتابي (السنة المفترى عليها) الذي يعالج ما يثيره المستشرقون وصبيانهم من ” الأعراب ” عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فآمل أن نشرف بمقال منكم عن الكتاب لينشر مع الطبعة القادمة التي نعكف على تنقيح وتطوير لها وشكر الله لكم والسلام “.
والحقيقة أنا الذي شرفت بإهدائه لي كتابه وبعض أعماله، وقد وجدت الرجل أكثر مني علما بموضوع السنة فكيف أجرؤ أن يقدم الناقص للكامل والواني للمجلّي وعاش من عرف قدره فلزمه، وإني وإن كنت تماطلت في تلبية رغبة أخي في كتابة المقدمة لذري السابق فلن أتوانى إن شاء الله أن أكتب مقالة عن الكتاب راجيا أن تنشر مع الطبعة الجديدة له تحقيقا لرغبة أخي سالم علي البهنساوي …
ومما أعتز به إكرام رباني قد أكرمني الله به، إذ كانت جنازة أخي سالم يوم الأحد 5 صفر 1427 الموافق 5 / 3 / 2006 وهو اليوم الذي كنت فيه بالكويت للمشاركة في المؤتمرالعالمي ” نحن والآخر ” الذي افتتح يوم الاثنين 6 / 3 / 2006 وهذا يذكرني ببعض نعم الله علي في هذا المجال، فقد وقع لي ذلك عدة مرات، فحضرت جنازات بعض من أحببت مثل: جنازة محل الابن الدكتور عمر بن عبد الكريم الجيدي رحمه الله بالرباط، والعلامة الأصولي: الأخ عبد الحي ابن الصديق بطنجة والولي الصالح n ولا أزكيه على الله n الفقيه المدرس العياشي أعراب بقبيلة بني بوزرة بغمارة ناحية شفشاون والدكتور أحمد شوقي استاذ بالحقوق رحمه الله بالرباط وغيرهم .
توفي أخي سالم فجر يوم الجمعة 3 صفر 1427 موافق 3 / 3 / 2006 بسكتة قلبية بعدما فرغ من صلاته وأذكاره بعاصمة أذربيجان، ودفن بالكويت يوم الأحد الخامس من صفر 1427 موافق 5 / 3 / 2006 وكان بأذربيجان ضمن وفد من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية برئاسة الداعية الحكيم ذي الخلق الكريم الأخ الدكتور عادل الفلاح وذلك خلال ندوة هامة نظمتها وزارة الأوقاف الكويتية في موضوع وسطية الإسلام. وقد اختارت ثلة من المفكرين والعلماء الذين عرفوا بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن وكان هو في طليعتهم ..
ولد أخونا العزيز سنة 1351 / 1932 بقرية السعديين بالشرقية بمصر، وتخرج سنة 1948 في كلية الحقوق – جامعة الملك فؤاد ( القاهرة حاليا )، عمل مديرا لإدارة التأمينات ثم التأمينات الاجتماعية من سنة 1956 – 1964، ثم التحق للعمل بهيئة شؤون القاصرين بوزارة العدل، وعندما أحيل إلى التقاعد التحق مستشارا بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للاستفادة من خبرته الكبيرة في القانون والدعوة الاسلامية إلى أن وافاه الأجل.
وقد عانى الاعتقالات أيام حكم العسكر بمصر سنة 1954، وسنة 1965، فعرف السجون والمعتقلات ولا سيما أبو زعبل، والسجن الحربي، وسجن ليمان طُرَة، وكانت تهمته انتقاده للفكر الشيوعي، وقد أطلق سراحه على عهد الرئيس محمد أنور السادات رحمه الله فالتحق سنة 1973 للعمل بوزارة العدل بهيئة شؤون القاصرين إلى أن تقاعد فانتقل لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مستشارا وخبيرا .
عرف الرجل بتصديه للفكر المنحرف سواء كان خارج الإسلام كالشيوعية أو داخل المسلمين كالفكر التكفيري والفكر المتطرف الشاذ.
وقد عرف عنه دفاعه الناجح والمنطقي عن فكر الشهيد سيد قطب، وقد استمعت له منذ سنة ونصف بالكويت كلمة رائعة ومقنعة لمن كان له لب وعلم وإنصاف في تفنيد ما يرمى به فكر سيد قطب من التطرف والنشوز، وإني دائما أرى أن الذين ينالون من فكر سيد قطب ويهاجمونه بل يكفرونه بين جاهل موتور ومضبوع مجرور وخبيث مأجور ..إن سيد قطب أحد مفاخر الإسلام والمسلمين الذين ثبت الله بأفكارهم ومواقفهم الأقدام وشفى الله بها كثيرا من الأسقام وفتح الله بها آذانا صما وعيونا عميا ونور بها كثيرا من العقول وأحيا بهاكثيرا من الأرواح. فقد وقع الإجماع على سمو كتابه ” في ظلال القرآن ” وقد قرأت هذا الأسبوع كتابا آخر للعلامة الدكتور توفيق الواعي كتابا للدفاع عن الشهيد سيد قطب وأفكاره، وهو من أقرب الإخوان للمستشار سالم.
إن علماء العالم الإسلامي المعتبرين يشهدون للشهيد سيد قطب بسلامة عقيدته وصلابتها وإيثاره الشهادة في سبيل الله على شهادة الزور الذي كان ” الآخرون ” يراودونه أن تصدر بقلمه في حقهم لقاء أجور ضخمة ومكافآت دنيوية تزعزع ثبات كثير من المناضلين الملتزمين بل بعض ” الدعاة ” الذين كانوا يتظاهرون بالعفة والإخلاص والاستقامة …
إن أخانا الحبيب كان في طليعة الذين تصدوا للفكر التكفيري وقد شارك في كتاب ” دعاة لا قضاة ” الذي خرج بين قضبان السجون لتفنيد الاتجاه التكفيري الذي جلب على المسلمين ويلات وويلات وما تزال آثاره تعرقل مسيرة الدعوة الإسلامية السليمة الناصعة .
ترك الأستاذسالم البهنساوي حوالي ستة وعشرين كتابا منها:
* كمال الشريعة وعجز القانون الدولي ( 1424 / 2003 )
*التطرف والإرهاب في المنظور الإسلامي والدولي ( 1424 / 2004 )
* أدب الخلاف والحوار ( 1426 / 2005 )
* الإصلاح السياسي الإسلامي الحائر بين أهله ( تحت الطبع ).
رحم الله أخانا وشكر الله للكويت أميرا وحكومة وشعبا وصحافة للعناية الفائقة بهذا الرجل حيا وميتا، وقد كانت جنازته – التي حضرتها والحمد لله – جنازة تذكرنا بجنائز الصالحين الذين كان بعضهم يقول في حياته للحكام الظلمة: “موعدنا يوم الجنازة” لقد كانت من أعظم الجنائز التي شاهدتها في حياتي …
وكانت جنازته مناسبة لمشاهدة مقابر أمراء الكويت وموتى الأسرة الحاكمة، فتأثرت أيما تأثر لمشهدها لالتزامها سنة المقابر الإسلامية، فالكل تراب في تراب والناس هناك جميعهم سواسية لا أمير ولا مأمور دون تمييز ولا بدع ولا إسراف وتفاخر حتى في الموت كما هي سنة الفراعنة.
فرحم الله الجميع وغفر لنا ولهم…
أد.عبد السلام الهراس