في مقهى بشارع “ليمونييه” في قلب العاصمة البلجيكية بروكسل حيث تتركز غالبية عربية، كثيرًا ما يردد شباب المسلمين المقدم على الزواج تعبيرًا مغاربيًّا دارجًا: “جبتها”، وهي كلمة يقصد منها تحول البلجيكيات إلى الإسلام كشرط للزواج منهن؛ فالزواج من بلجيكيات لم يخرج العديد من المهاجرين من وضعية الإقامة غير الشرعية فحسب، بل إنه عزز صفوف المسلمين البلجيكيين بمعتنقين جدد للإسلام، إلا أنه ليس السبب الوحيد ولا الرئيسي لاعتناق البلجيكيين الإسلام.
ويقول موفد “إسلام أون لاين.نت” إلى بروكسل: إن ظاهرة اعتناق الإسلام لا تنحصر في الشابات البلجيكيات فحسب، بل في الشباب البلجيكي أيضا؛ الأمر الذي دفع جريدة “لوسوار” البلجيكية لدق ما اعتبرته “ناقوس الخطر”.
وذكرت الصحيفة في عددها الصادر يوم 2006/2/18 أن الإحصائيات تقول: إن عدد البلجيكيين الذين اعتنقوا الإسلام وصل لنحو 40 ألفا في الأعوام القليلة الماضية، وهو “المعدل الأعلى في أوربا” خاصة إذا ما قورن بعدد سكان بلجيكيا (10 ملايين نسمة)؛ ما دفع اليمين المتطرف البلجيكي للتحذير من نتائج الزواج المختلط، بحسب “لوسوار”، ويبلغ إجمالي عدد مسلمي بلجيكا 450 ألفا.
<< دين بلا وسطاء
ويؤكد “جيروم فرنسوا” (27 سنة) أحد هؤلاء المعتنقين الجدد للإسلام أنه لم يسلم لكي يتزوج بمسلمة.
وقال في لقاء مع شبكة “إســـلام أون لايـــن.نت” الإثنين 2006/2/20 إن زواجه بمغربية جاء بعد أن اعتنق الإسلام، وإن اعتناقه للإسلام قبل 7 سنوات لم يكن سببه أنه كان يريد الارتباط بمغربية مسلمة بل إن بحثه الخاص عن “الإشباع الروحي والحقيقة الدينية هو الذي أتى به إلى الإسلام”.
وعن سر اقتناعه بالإسلام يقول جيروم: “إنه دين بلا وسطاء”، ويضيف: “هذا ما كنت أبحث عنه وعندما نطقت الشهادتين، وبدأت الصلاة وتزوجت من مسلمة شعرت في داخلي أني كنت دائما مسلما وأن الأمر كان يتعلق بتكملة ضرورية”.
الشعور بكون المرء مسلما حتى قبل أن يسلم قاد أيضا “فرنسوا كلارنفال” (47 سنة) إلى الإسلام حيث قال في لقاء خاص مع “إسلام أون لاين.نت”: إن مساره نحو الإسلام كان “مسارا للبحث عن الحقيقة إلى أن التقى زوجته الصومالية وأنجب منها ابنتهما إيديل”.
ومر كلارنفال بتحولات عديدة في حياته، فمن مراهق كاثوليكي إلى ناشط في الحزب الشيوعي إلى ملحد، وتوصل الشاب البلجيكي إلى أنه لم يجد ما يشبع رغبته الروحية إلا في الإسلام حيث يقول: “عندما اكتشفت الإسلام أحسست أني وصلت إلى بيتي وإلى عائلتي”.
<< حملة إعلامية للتشويه
ويشكو المعتنقون الجدد للإسلام في بلجيكيا من الصورة الإعلامية التي توجه ضدهم، حيث يقول جيروم فرنسوا: “إن التغطية الإعلامية لقضية المعتنقين الجدد للإسلام كثيرا ما تحوي مخالطات؛ فالتركيز علىأن سبب اعتناق الإسلام يعود إلى الزواج المختلط أمر لا يفسر الظاهرة في كليتها”.
ويوضح فرنسوا: “هناك عوامل أخرى وخاصة التكوين العام للبلجيكيين غير المعادي للدين بشكل عام؛ فأغلب البلجيكيين كاثوليكيون يرتادون الكنيسة يوم الأحد، أي إن الثقافة العلمانية غير منغرسة في الضمير النخبوي والشعبي كما هو في فرنسا على سبيل المثال”.
وفي تناولها لقضية المعتنقين للإسلام يقول فرنسوا: تركز وسائل الإعلام حول بعض الأشخاص دون غيرهم كأن تركز على فتاة بلجيكية منتقبة أو على “عبد الله باستين”، وتقدمه على كونه نموذجا لكل المعتنقين وهذا غير صحيح.
ويعتبر عبد الله باستين (65 سنة) أحد أكثر الشخصيات البلجيكية التي اعتنقت الإسلام الذي يلقى تركيزا من قبل الإعلام البلجيكي؛ فالشيخ الذي كان اسمه قبل إسلامه “جون فرنسوا باستين” يطلق لحيته الحمراء الطويلة، وينسب نفسه إلى أكثر الفرق الإسلامية تشددا، بحسب الإعلام البلجيكي، وخاض سنة 2003 الانتخابات التشريعية البلجيكية تحت مظلة حزب أسسه بنفسه وسماه بـ”حزب المواطنة”، وإن لم يتحصل باستين على أي مقعد فإنه تمكن من الحصول على 8258 صوتا.
وجود “عبد الله باستين” في واجهة الصورة الإعلامية لم يمنع السلطة الرسمية البلجيكية من التعامل مع قضية المعتنقين للإسلام بجدية، حيث قامت بدمج أحد رموزهم في أول مجلس للمسلمين يؤسس في بلجيكا، حيث عينت “ياسين بيانس” الذي كان يسمى قبل إسلامه (ديدي بيانس)، وهو طبيب بلجيكي معتنق للإسلام، ومتزوج من سورية، كأول رئيس للمجلس الوقتي لمسلمي بلجيكا سنة 1991، ثم تم تعيينه سنة 1994 على رأس المجلس الأعلى للمجلس التنفيذي المؤقت لمسلمي بلجيكا.
وبرزت قضية المعتنقين للإسلام في الإعلام البلجيكي هذه السنة مع نشر الصحف للفتاة البلجيكية المعتنقة للإسلام “مريال ديكوك” والتي قامت بعملية فدائية في بغداد معزوجها.
وبحسب الصحف البلجيكية فإن “مريال ديكوك” (38 سنة) ولدت في مدينة “شارل روا” البلجيكية وأنها كانت تعمل نادلة في مقهى ثم عاملة في مخبز قبل أن تلتقي بزوجها المغربي “عصام قريس” منذ 3 سنوات والذي أقنعها باعتناق الإسلام فغيرت اسمها من “مريال” إلى “مريم” لتقيم معه في شقة في أحد أحياء العاصمة البلجيكية بروكسل قبل أن يرحلا معا إلى العراق