لقد أعلنت جريدة “العلم” في عددها المؤرخ ب 11فبراير 2006 وبعناوين بارزة ، مواضيع وأخبارا عن الحركة التنصيرية في وقتنا الحاضروعن تنصير بعض المسلمين والأسر الإسلامية المغربية وتكوين جمعيات من المغاربة المتنصرين… وأنه يوجد في بعض الجهات من المغرب كنائس يقيم بها المتنصرون الجدد طقوس الديانة المسيحية، ويقيمون تجمعات في البيوت لتلقي مبادئ النصرانية على يد رهبان وقسس ومنصرين ، وأن هؤلاء يحرصون على تزويد المسلمين العابرين للحدود بنسخ من الإنجيل، ومنشورات للدعوة والتبشير بالنصرانية المسيحية المزورة…وإن كل هذا ليدل على أن الصليبية قد استطاعت أن تنجح في إخراج ثلة من المغاربة المسلمين عن دينهم ..وهو أمر يمثل خطرا داهما على الشأن الديني والأمن الروحي للمغاربة أجمعين… وذلك لأن وحدة الدين عند المغاربة ووحدة المذهب الفقهي والعقدي مما يعد من المقومات الأساسية للشعب المغربي الأصيل ..ومما كان إخواننا المسلمون في جهات أخرى من العالم الإسلامي يغبطوننا عليه…
وشعورا من كاتب هذا المقال بجسامة المسؤولية وخطورة القضية فإنه يتوجه بهذا التحذير الحار إلى ضمير المغاربة المسلمين رجاء التذكير بمضمونه {وإن الذكرى تنفع المومنين}(الذاريات:55-).
> أيها المغاربة المسلمون:
إن حركة التنصير بالمغرب ليست جديدة ، بل إن هذه الحركة كانت من أبرز الدوافع لاحتلال الثغور المغربية في القرن الخامس عشر والسادس عشر من الميلاد:رافقت الغزو البرتغالي والإسباني لشواطئ المغرب… فتصدى لها المجاهدون في سبيل الله حيث حاصروا الغزاة، ولم يفتحوا لهم المجال للتسرب إلى داخل البلاد، ومعلوم أن الغزاة كان هدفهم هو تنصير المسلمين بتحريض من الكنيسة المسيحية.. وبعد ذلك نشطت حركة أخرى مع الاستعمار الفرنسي والإسباني بعد سنة 1912م حيث جعلوا من بعض المدن والقرى المغربية مراكز للتبشير بالدين المسيحي… لكن -وبحمد الله تعالى- لم يحصل المنصرون على طائل كبير بالرغم مما قاموا به من ترغيب وترهيب… ومع ذلك لم تيئس الكنيسة من محاولة التأثير على المسلمين بغية زحزحتهم عن دينهم فبدأت تبعث المنصرين والمنصرات تحت غطاء المساعدات الاجتماعية والطبية والرعاية الإنسانية…
وبالمقابل فقد جد واجتهد آباؤنا وأجدادنا فعملوا كل ما يستطيعون من أجل حراسة عقيدتنا ومقاومة الغزو الصليبي عبر العصور… عملا بما جاء في الأثر: >كل مسلم على ثغر من ثغور الإسلام فليحذر أن يوتى الإسلام من قلبه< إلى أن كانت الدولة العلوية الشريفة في طليعة الدول المغربية التي حافظت على وحدة عقيدة الشعب المغربي، وعملت على مناهضة الاحتلال الاجنبي بكل ما أوتيت من وسائل مختلفة وما توانت، ولا غمض لها جفن إبان تكالب المسيحية المزورة على المغرب…
ولكن وبكل أسف فإنه في السنوات الأخيرة، وفي غمرة البطالة ويأس الشباب، وتخلي المدرسة والمؤسسات التعليمية والتربوية عن دورها في تركيز وتثبيت العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الفتيان والفتيات والشبان والشابات… وتحصينهم بالمبادئ والقيم العليا للاسلام ، كل ذلك جعل بعض تلامذتنا وطلابنا وشباب عامتنا… غير محصنين بالمناعة الرافضة لترهات الدجالين الحاقدين الذين يزينون لهم الخروج عن دينهم والدخول في النصرانية أو الإلحاد…
وفي غفلة من الآباء وتخليهم عن دورهم في توجيه أبنائهم وتهاون المجتمع في تحصينهم والعمل على حسن تربيتهم… كل هذه الأسباب قد عملت على إنجاح المبشرين في زماننا هذا في تنصير بعض المغاربة المسلمين بل وبعض الأسر الإسلامية بما فيها من آباء وأمهات وأبناء وبنات…
وإنه لمن المخجل حقا أن يفرط الأبناء فيما جاهد من أجله الآباء… ولذلك فإننا نطلب منالله العلي القدير أن تظل دولتنا العلوية الشريفة-بريادة أمير المومنين جلالة محمد السادس دام له النصر والتمكين- محافظة على نفس المسار الذي سار عليه أسلافنا الغر الميامين بالعمل على حفظ إيمان وعقيدة شعبنا المغربي المسلم… بإحباط كيد الكائدين والوقوف ضد كل المغرضين… وذلك بتطبيق مقتضيات الإسلام فيما يتعلق بالتعايش بين الأديان والمتدينين…
وإن موقف الإسلام من مختلف الديانات واضح في قوله تعالى: { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين}(الكافرون) وقوله تعالى: {…قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}(آل عمران:64)
وإذن فهو موقف مبني على التسامح والتعايشواحترام الأديان السماوية… بل والإيمان بنبوة جميع أنبيائها وبمصداقية جميعها ولكن في أصلها الأصيل… قبل أن يدخلها التحريف والتبديل… وذلك بمقتضى قوله تعالى: {…آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمومنون، كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}(البقرة :285-)، وقوله سبحانه: {إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نومن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا، والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولائك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما}(النساء : 150- 152).
ومع ذلك فإنه لما كانت كل الدول والأمم تجعل من أوجب واجباتها حماية نظامها، وأن كل من يعمل ضد النظام يتهم بالخيانة العظمى التي يكون عقابها الإعدام…- فقد كانت الأمة الإسلامية من بين جميع الأمم التي تعمل على حماية عقيدتها من المستهزئين بالدين، والمستخفين بالعقيدة والمستفزين لمشاعر المسلمين…
ولذلك فلقد اتفق علماء الإسلام وأئمة الأمة الإسلامية على أن من ارتد عن الإسلام وهو بالغ عاقل يسمى مرتدا خارجا عن الملة تترتب عليه أحكام شرعية جاء بها كل من الكتاب والسنة… ومنها:
- قوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولائك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولائك أصحاب النار هم فيها خالدون}(البقرة :217).
والآية الكريمة فيها تهديد ووعيد من الله تعالى للمرتدين ببطلان اعمالهم الصالحة التي عملوها قبل الارتداد، وهم من الخاسرين المفلسين في الدنيا والآخرة… بل ومن الخالدين في النار… والعياذ بالله.
ومن ثم فقد كان حكم المرتد هو أن يدعى إلى التوبة، وإلى الرجوع إلى دينه مدة ثلاث أيام.. فإذا امتنع بعدها يقتل بإذن من إمام المسلمين… وذلك لما رواه البخاري عن ابن عباس ] من أن النبي قال: >من بدل دينه فاقتلوه< ولما اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من أن النبي قال: >لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان، وزنى بعد إحصان، وقتل نفس بغير حق<.
ومن المعلوم من أحكام الشريعة الإسلامية أن المرتد لا يرث أحدا من أقاربه ولا يرثه أحد… لأنه لا توارث بين ملتين، ويفسخ نكاحه من زوجته المسلمة، ولا يحل له أن يتزوج بمسلمة أخرى، ويفقد أهلية الولاية على غيره: فلا حق له في أن يتولى عقد زواج بناته… إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرتد حتى إنه لا يدفن بمقابر المسلمين ولا يصلى عليه.
وواضح أن الحكمة من ترتب هذه الأحكام على المرتد هي أنه بارتداده يفتح على المسلمين بابا من أبواب التلاعب بالدين: فهو بعد أن كان على دين الإسلام الذي هو خاتم الأديان الربانية والذي جمع الله فيه كل ما في الأديان السماوية من خير وفضائل ومزايا…- أصبح يستهين بعقيدته التي آمن بها ، ونشأ عليها، وأصبح يقلل من شأنها، ويعتقد أن دينا آخر خير منها وأفضل مما فيها من عقائد وعبادات وقيم وأحكام…
وهو بعمله هذا المستهتر بالدين الإسلامي- لا يسيء إلى نفسه فقط بل يسيء إلى الأمة جمعاء ويفتح مجالا للتقول فيها من طرف أعداء الإسلام فيقولون:”لو كان في الإسلام خير ما ارتد هذا وأمثاله”
وتلك هي سياسة أهل الكتاب مع المومنين منذ القديم والتي قال وناقشها الله تعالى في محكم التنزيل فقال: {ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون، يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون، يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون، وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار، واكفروا آخره لعلهميرجعون، ولا تومنوا إلا لمن تبع دينكم، قل: إن الهدى هدى الله أن يوتي أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم، قل: إن الفضل بيد الله يوتيه من يشاء والله واسع عليم، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}(آل عمران : 69- 74).
فالحقيقة هي أن المرتد إلى أي دين من الأديان السماوية -بله الإلحادية- يكون انتقل إلى دين منسوخ بالإسلام الذي هو دين التوحيد الخالص من أي شائبة من شوائب الشرك والذي لن يقبل الله من أحد في الأخرة سواه… فيكون المرتد بذلك قد خسر دنياه وآخرته إذ {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(آل عمران:85-) وصدق الله العظيم إذ يقول في آية أخرى: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم. قل: إن هدى الله هو الهدى ، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولــــي ولا نصير}(البقرة : 119- 120).
صدق الله العظيم وبلغ رسوله المصطفى الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضي الله عن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين… والحمد لله رب العالمين..
اد.محمد يعقوبي خبيزة