مقترحات على طريق التجديد اليوم
إن الفقه غير المراقب بالسنة يضع المؤمن في حرج كبير، فهو يتشهد برسول الله ، ثم يطلب منه بعض الفقه : أن يتعبد على أساس فتوى فقيه تخالف أمر رسول الله ، والله عز وجل، يحذر من هذه المخالفة المتعمدة {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}(النور : 61).
وللخروج من هذاالحرج، هناك طريق وحيدة، هي التزام سنة التجديد، التي يقول فيها الرسول : >إن الله يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها<(1).
والتجديد : أن يجعل الشيء جديداً، بحيث ينفض عنه غبار القرون، فيعود إلى حالته الأصلية، والحالة الأصلية هنا هي الامتثال لسنة رسول الله ، نصاً أو استنباطاً، مع مراقبة الفقه بالوحي، حتى تكون القواعد والأحكام منسجمة مع الوحي، غير مناقضة له : {وأن احكم بينهم بماأنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنون عن بعض ما أنزل الله إليك}(المائدة : 51).
ويكفي بالنسبة لمن يصفون أنفسهم (بالمالكية) ، أن يصغوا إلى منهج الإمام مالك في وصيته الشهيرة : “إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة، فخذوا به، وكل ما لم يوافق الكتاب فاتركوه(2)، وبهذا الإصغاء لوصية الإمام، يصحح هؤلاء انتماءهم إلى المالكية الحقيقية، ويحققون رضا الله تعالى، ورضا رسوله، عليه الصلاةوالسلام، ويسمحون للمذهب المالكي أن ينمو، ويجيب على تحديات العصور، بما يخدم الحق، والعدل، ومصلحة الإنسان المسلم في الدنيا والآخرة : {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}(النور : 39).
ويبدو من كل ما سبق : أن دورات الاحتجاج التي اتجهت وتتجه نحو ما صار إليه المذهب المالكي، من عدد من المجددين، أفراداً أحياناً، ودولة أحيانا أخرى، كان سببها ما يلي :
1- الابتعاد عن منهجية الإمام مالك، رحمه الله مؤسس المذهب.
2- الانفصال الذي حدث بعد الإمام، بين الفقه والحديث، فكان هناك فقهاء لا معرفة لهم بالحديث، ومحدثون لم يتمرسوا بالفقه بما فيه الكفاية.
3- الانفصال بين الفقه وأصول الفقه، وهي الطرق الفنية التي استعملت في الاستنباط، كما علمها الله ورسوله لهذه الأمة.
4- الانغلاق وعدم الانفتاح، وعدم التسامح مع المذاهب الأخرى، لحد أن طرح بعض الفقه، خلال القرن التاسع الهجري، هل يجوز للحنفي، مثلا، أن يتزوج من شافعية، أو مالكية؟!.
وللاستفادة من تجارب القرون، ينبغي أن يتضمن برنامج تكوين علماء الإسلام، على المذهب المالكي، المواد والاتجاهات التالية :
1- التعمق في دراسة القرآن وعلومه، مع حفظ القرآن أولاً.
2- التعمق في دراسة السنة وعلومها.
3- التعمق في دراسة أصول الفقه، مقارناً فيها بين المذاهب الإسلامية المختلفة.
4- التعمق في دراسة الفقه الإسلامي، مصحوباً بدليله من الكتاب والسنة.
5- أن يكون الكتاب والسنة هو الحكم عند الاختلاف بين المذاهب أو بين الفقهاء في المذهب الواحد، امتثالاً لقول الله تعالى : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}(النساء : 58).
ولو يسر الله لعلماء السنة والشيعة أن يجتمعوا لبناء معيار موحد، للجرح والتعديل بالنسبة لرواةالحديث من حيث القبول والرفض، ومن حيث التصحيح والتضعيف، لو يسر الله ذلك لتوحدت مصادر التشريع، ولتوحد، بالنتيجة، التشريع والفقه بين أقطار الشعوب الإسلامية ولتمت خطوة مهمة في بناء الأمة الواحدة : {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}(الأنبياء : 91)، {وأن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاتقون}(المؤمنون : 53).
ورحم الله السلطان الحسن الثاني الذي كان أول من بادر بعقد لقاء للتقريب بين السنة والشيعة،أملاً في بعث جديد للأمة المسلمة في عصر التكتلات الكبرى التي لا مجال معها للدول الصغيرة، أو الدول الفتات، ورحم الله الشاعر الباكستاني محمد إقبال الذي قال :
في قديم الدهر كنتم أمة لهف نفسي كيف صرتم أمما!
6- أن يدرس الطالب أخلاق الإسلام عامة، وأخلاق الحوار بين المذاهب الإسلامية، وبينها وبين الأديان غير الإسلامية، بما يكفل ترشيد مسيرة البشرية التي لا تجد، ولن تجد الهداية إلا في الوحي : داعية الحرية الدينية، والسلام الحقيقي، والتعاون لصالح المخلوقات :{لا إكراه في الدين}(البقرة : 255)، {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان}(البقرة : 206)، {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}(الأعراف : 84).
7- أن ينفتح الطالب على اللغات الأجنبية وعلى المواد العلمية والتكنولوجية، وعلى علوم الإجتماع والتاريخ، وعلى الحضارة وعلى حوار الحضارات الذي امتن الله تعالى به على البشرية حيث قال : {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}(الروم : 21).
والذي مارسه الرسول حيث قال : >لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، حتى أدركت أن الروم وفارس يصنعون ذلك، فلا يضر أولادهم<(3).
وختاماً، إن الأمل معقود على أمير المؤمنين، رئيس المجلس الأعلى، السلطان محمد السادس، حفظه الله : أن يجدد لمذهب الإمام مالك أصالته المنهجية، فتعود للسنة النبوية مكانتها باعتبارها في منهج الإمام مالك، “سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق” وبالتالي تعود للوحي المعصوم رقابته على الفقه، بصفته عملاً بشرياً قابلاً للخطأ والصواب : {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}(الأنفال : 24).
—–
1- صحيح سنن أبي داود، رقم 3606، وهو صحيح.
2- جامع بيان العلم وفضله ج1، ص 775، رقم 1435.
3- موطأ مالك برواية يحي، وتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ص 608، وصحيح الإمام مسلم، رقم 1442، والغيلة بكسر الغين : أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع (نفس الرقم بموطأ الإمام مالك).
د.محمد الحبيب التجكاني