أهـــــداف الـــزكــــاة
الزكاة عبادة ماليةجعلها الله تعالى ركناً من أركان الإسلام كالصلاة، لأن الصلاة عمود الدين روحيا، والزكاة عمود الدين اجتماعيا، فمن أنكرها أو جحدها لا يُعْتَبَرُ داخِلاً دخولا رسميا في نطاق الأخوة الإسلامية، قال تعالى : {فإِنْ تَابُوا وأقَامُوا الصّلاةَ وآتَوْا الزّكاةَ فإِخْوانُكُم في الدِّين}(براءة : 11)، وقال تعالى : {ومَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُوتُوا الزَّكَاةَ وذلِك دِينُ القَيِّمة}(البينة : 5).
ولأهمية الزكاة كانت لها أهدافٌ متعددةٌ ومتنوعةٌ، أي لها أهداف مادية ومعنوية، وروحية وأخلاقية، واقتصادية ومالية، وأهداف فردية واجتماعية بحيْثٌ لوْ أُخْرِجَتْ على النحو الشّرعي المطلوب، ووُزِّعَت على النحو الشرعي المطلوب، لكان لها أثر كبير في حياة الفرد والمجتمع، ولقضَتْ علىالكثير من الأمراض والنقائص، ولعَمَّرتْ الكثير من البيوت، وأنشأتْ الكثير من الأُسَر الصالحة، ولأخرجتْ الكثير من العلماء الأفذاذ في مختلِف الفنون والتخصُّصَاتِ.
وهذه بعض الأهداف الكبرى بالنسبة للمُزَكِّي :
1) تُطَهِّرُ نَفْسَ المُزَكّي من الشُّحِّ والبُخْلِ : إن الله عز وجل خلق الإنسان مجبولا على حُبِّ المال {وإِنَّهُ لحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيد}(العاديات : 8) ومجبولاً على البُخْل {وَإِذا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعاً}(المعارج : 11). بل قد يَصِلُ حبّ المال بالإنسان إلى درجة تقديسه وعبادته، فيشن الحرُوب المدَمِّرة على المُسْتضعفين للسيطرة على ثرواتهم ومقدّراتهم قال : >تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ تَعِسَ عَبْدُ القَطِيفَة، تعِسَ وانْتَكَشَ، وإذا شِيكَ فلاَ انتقَشَ<(رواه البخاري)، فلهذا السبب شرع الإسلام الزكاة تطهيراً لنفس المسلم من كُلّ أنواعالشح والبُخْل، قال : >ثَلاثٌ مُهْلِكاتٌ : شُحّ مُطَاعٌ، وهَوًى مُتّبَع، وإعْجَابُ المَرْءِ بنَفْسِه<(رواه الطبراني)، وقال : >إيّاكُم والشُّحّ، فإنَّمَا هَلَك مَنْ كان قَبْلكُم بالشّحِّ، أمرَهُمْ بالبُخْلِ فَبَخِلُوا، وأمَرَهُم بالقَطِيعَةِ فقَطَعُوا، وأمَرَهُمْ بالفُجُورِ ففَجَرُوا<(رواه أبو داود والنسائي)، ولهذا المقصد الرئيسي كانت الإشارة في قوله تعالى : {خُذْ مِن أمْوَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وتُزَكِّيهِمْ بِها}(التوبة : 103).
2) تجْعَلُ نَفْسَ المُزَكِّى تَقْتَرِبُ منْ أُفُقِ الكَمَالاَتِ الرَّبَّانِية : فمن صفاتِ الله تعالى الأساسية : إفاضَةُ الخير، وإفاضة الرحمة والنعمة والجُود والإحسان دُون نفع يَعُودُ عليه، فالمزكّي يتشبَّهُ بربه في العَمل على الاتصاف بهذه الصفات على قدر وُسْعِه، فيكون نافعاً لخلْق الله تعالى على قدْر طاقته، وبهذه الروح التي غَمرتِ المسلمين الصادقين كانت المؤسسات الاجتماعية التي تشمل كل مرافق الحياة، وكانت الأوقاف التي تميّزبها المسلمون في مختلف عصورهم حيث كلُّ التعليم بجميع أنواعه يسير بالأوقاف، وكانت المساجد، وكان المؤذنون والمدرسون والخطباء وكانت المؤسسات الأسرية الفقيرة تقوم بالأوقاف…
3) تربِّيه على الشّكر لله : قال الله تعالى : {لَئِنْ شَكَرْتُم لأَزيِدَنَّكُم}(ابراهيم : 8) نعمُ الله على الإنسان كثيرة، والمال من أعظم نعم الله المُسْداة لعباده، والشكر تقْيِيدُ دوامِها، وشُكْر المال إنفاقه في سبيل الله الجامعة لكل خيْر ومبرّة.
4) تُنمِّى شخصية الغنيِّ المزكي : حيث يشعر بقوة الشخصيّة الجهادية المتسلطة على المال للقضاء على الجهل والمرض والفقر والتخلف، لأن يَدَه هي العليا، واليد العليا خيرٌ من اليد السّفْلى.
5) تطهِّر المال من التنجّس والتلوث : لأن تعَلُّق حَقّ الغير بالمالتلويثٌ له، لا يَطْهُر إلا بإخراجه، ومَالُ الأغنياء فيه حقٌّ للسائل والمحروم واجبٌ متحتِّمٌ، لا سبيل لتطهير المال من هذا الحق إلا بتسليمه لأهْلِه، فإذا أُخرج الحقُّ طهُر الباقي من الأموال، قال : >إذَا أدَّيْتَ زَكاةً مَالِك فَقَدْ أذْهَبْت عنْكَ شَرَّهُ<(رواه ابن خزيمة).
ومعنى هذا أن الزكاة تطهّر المال الحلال، أما المال المكتَسَب من حرام كالقِمار والسرقة والرُّشوة والغصْب وغير ذلك فهذا كُلُّه خَبَثٌ لا تُطَهِرهُ الزكاة.
6) الزكاة تُنمِّي المال : قال تعالى : {ومَا أنْفَقْتُم من شَيْءٍ فَهُو يُخْلِفُه وهُوَ خَيْرُ الرّازِقِين}(سبإ : 39) بل يخْلفه أضعافاً مضاعفة.
وهذه بعض الأهداف الكبرى بالنسبة للمنتفع بالزكاة :
1) تُحرِّرُ الفقراء والمحتاجين من ذُل الهَمِّ والحُزْن وثقل الدُّيون : فالزكاة عيّن الله تعالى أصحابها وهم : الفقراء والمساكين والغارمون المثقلون بالديون وأبناء السبيل، وهؤلاء كلهم تكون نفسياتهم هابطة، فإذا أعْطُوا كفاياتهم شعَروا بارتفاع المعنوية، وكرامتهم عند الله تعالى الذي فرض لهم حقوقاً، وكرامتهم بين إخوانهم الذين يبذلون لهم الأموال بدون مَنٍّ ولا أذًى، وشعرُوا بالعزة الإيمانية، وسط إخوانهم المومنين.
2) تطهِّر نفوس الفقراء والمحتاجين من الحسد والحقد : وكيف يحقد فقير على غنيٍّ يعطف عليه ويرحمه ويجبُر كسره، وبهذا تتجنَّبُ البلاد الاسلامية الصراعات الطبقية التي يُغذّىها الحسد والبغضاء والتصارع على المادَّة، فقد حذَر رسول الله الأمّة الإسلامية من تسرُّب داء الحَسد والبغضاء إلى صفوفها، لأنه إذا دَخَلَ إليها سمَّمَها وخرَّبها، قال : >دَبَّ إِلَيْكُم دَاءُ الأمَمِ من قَبْلِكُم : الحَسَدُ والبَغْضَاء، والبغْضَاءُ هِيَ الحَالِقَةُ، أمَا إِنِّي لاَ أقُولُ : تَحْلِقُ الشَّعَرَ، ولكِنْ تَحْلِقُ الدِّين<(رواهالبزار).
إن الزكاة تُحصِّن المجتمع من الفِتَن والاضطربات والتآمُرات على بعضها بعضاً في كُلّ ميدان من ميادين الأنشطة الاجتماعية، ولكن تجعل الأفراد متآلفين متآخين متعاونين على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان وخراب الضمائر والذِّمَمِ والأوطان.